لى من سر هذا الحديث ما يجب كشفه ويستحسن وصفه ، وهو : أن الله ، سبحانه ، وضع هذا الروح فى هذه الجثة الجثمانية ، لطيفة لاهوتية ، فى كثيفة ناسوتية ، دالة على وحدانيته تعالى وربانيته ، ووجه الاستدلال من عشرة أوجه : الأول : أن هذا الهيكل الإنسانى لمّا كان مفتقرا إلى محرك ومدبر ، وهذا الروح هو الذي يدبره ويحركه ، علمنا أن هذا العالم لا بد له من محرك ومدبر. الثاني : لمّا كان مدبر الجسد واحدا ؛ علمنا أن مدبر هذا العالم واحد لا شريك له فى تدبيره وتقديره. قال تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) (١) ، الثالث : لمّا كان لا يتحرك هذا الجسم إلا بتحريك الروح وإرادته ؛ علمنا أنه لا يتحرك بخير أو شر إلا بتحريك الله وقدرته وإرادته. الرابع : لمّا كان لا يتحرك فى الجسد شىء إلا بعلم الروح وشعورها ، لا يخفى على الروح من حركة الجسد شىء ، علمنا أنه تعالى لا يعزب عنه مثقال ذرة فى الأرض ولا فى السماء. الخامس : لمّا كان هذا الجسد لم يكن فيه شىء أقرب إلى الروح من شىء ؛ علمنا أنه تعالى قريب إلى كل شىء ، ليس شىء أقرب إليه من شىء ، ولا شىء أبعد إليه من شىء ، لا بمعنى قرب المسافة ؛ لأنه منزه عن ذلك. السادس : لمّا كان الروح موجودا قبل الجسد ، ويكون موجودا بعد عدمه ؛ علمنا أنه تعالى موجود قبل خلقه ، ويكون موجودا بعد عدمهم ، ما زال ، ولا يزال ، وتقدس عن الزوال. السابع : لمّا كان الروح فى الجسد لا تعرف له كيفية ؛ علمنا أنه تعالى مقدس عن الكيفية. الثامن : لمّا كان الروح فى الجسد لا تعرف له كيفية ولا أينية ، بل الروح موجود فى سائر الجسد ، ما خلا منه شىء فى الجسد. كذلك الحق سبحانه موجود فى كل مكان ، وتنزه عن المكان والزمان. التاسع : لمّا كان الروح فى الجسد لا يحس ولا يجس ولا يمس ، علمنا أنه تعالى منزه عن الحس والجس والمس. العاشر : لمّا كان الروح فى الجسد لا يدرك بالبصر ، ولا يمثل بالصور ، علمنا أنه تعالى لا تدركه الأبصار ، ولا يمثل بالصور والآثار ، ولا يشبه بالشموس والأقمار ، (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (٢). ه. وحديث «من عرف نفسه ...» إلخ ، قال النووي : غير ثابت ، وقال السمعاني : هو من كلام يحيى ابن معاذ الرازي. والله تعالى أعلم.
وسئل أبو سعيد الخراز عن الروح ، أمخلوقة هى؟ قال : نعم. ولولا ذلك لما أقرت بالربوبية حتى قالت : «بلى». قلت : لما انفصلت عن الأصل كستها أردية العبودية ، فأقرت بالربوبية. وقال الورتجبي : الروح : شعاع الحقيقة ، يختلف آثارها فى الأجساد. قال : ومن خاصيتها أنها تميل إلى كل حسن ومستحسن ، وكل صوت طيب ، وكل رائحة طيبة ؛ لحسن جوهرها وروح وجودها ، ظاهرها غيب الله ، وباطنها سر الله ، مصورة بصورة آدم ، فإذا أراد الله
__________________
(١) من الآية ٢٢ من سورة الأنبياء.
(٢) من الآية ١١ من سورة الشورى.