قلت : ولعله ذكر اسما آخر يكمل التسعة والتسعين. وإلا فهو مذكور فى الرواية المتقدمة من التسعة والتسعين. والله تعالى أعلم.
الإشارة : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) ، قال الورتجبي : إن الله سبحانه دعا عباده إلى معرفة الاسمين الخاصين ، اللذين فيهما أسرار جميع الأسماء والصفات والذات ، والنعوت والأفعال ؛ فالله اسمه ، وهو اسم عين جمع الجمع ، والرحمن اسم عين الجمع ؛ فالرحمن مندرج تحت اسمه : «الله» ؛ لأنه عين الكل ، وإذا قلت : الله ؛ ذكرت عين الكل. ثم قال : وإذا قال «الله» ؛ يفنى الكل ، وإذا قال : «الرحمن» ؛ يبقى الكل ، من حيث الاتصاف والاتحاد ، فالاتصاف بالرحمانية يكون ، والاتحاد بالألوهية يكون. ثم قال : عن الأستاذ : من عظيم نعمه سبحانه على أوليائه : أنه ينزههم بأسرارهم فى رياض ذكره ؛ بتعداد أسمائه الحسنى ، فيتنقلون من روضة إلى روضة ، ومن مأنس إلى مأنس ، ويقال : الأغنياء تنزههم فى بساتينهم ، وتنزههم فى منابت رياحينهم. والفقراء تنزههم فى مشاهد تسبيحهم ، ويستروحون إلى ما يلوح لأسرارهم من كشوفات جلاله وجماله. ه. قلت : والعارفون تنزههم فى مشاهدة أسرار محبوبهم ، وما يكشف لهم من روض جماله وجلاله. وبالله التوفيق.
ثم أمره بإخفاء قراءته عن المشركين ؛ لئلا يسبوا القرآن ومن جاء به ، فقال :
(قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (١١٠) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (١١١))
يقول الحق جل جلاله : (وَلا تَجْهَرْ) بقراءة صلاتك ، بحيث تسمع المشركين ، فإن ذلك يحملهم على السب واللغو فيها ، (وَلا تُخافِتْ) أي : تسر (بِها) ؛ حتى لا تسمع من خلفك من المؤمنين ، (وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) ؛ واطلب بين المخافتة والإجهار طريقا قصدا ، فإنّ خير الأمور أوسطها. والتعبير عن ذلك بالسبيل باعتبار أنه طريق يتوجه إليه المتوجهون ، ويؤمه المقتدون ليوصلهم إلى المطلوب. روى أن أبا بكر رضي الله عنه كان يخفت ، ويقول : أناجى ربّى ، وقد علم حاجتى. وعمر رضي الله عنه كان يجهر ، ويقول : أطرد الشّيطان وأوقظ الوسنان. فلما نزلت ، أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أبا بكر أن يجهر قليلا ، وعمر أن يخفض قليلا (١).
وقيل : المعنى : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ) كلها ، (وَلا تُخافِتْ بِها) بأسرها ، (وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) ؛ بالمخافتة نهارا والجهر ليلا. وقيل : (بِصَلاتِكَ) ؛ بدعائك. وذهب قوم إلى أنها منسوخة ؛ لزوال علة السب واللغو ؛
__________________
(١) أخرجه بنحوه أبو داود فى (التطوع ، باب فى رفع الصوت بالقراءة فى صلاة الليل) ، والترمذي فى (المواقيت ، باب ما جاء فى قراءة الليل) عن أبى قتادة.