بإظهار الدين وإخفاء الشرك وبطلانه ؛ فالحمد لله على ذلك كما قال تعالى : (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً) كما يزعم اليهود والنصارى وبنو مدلج ؛ حيث قالوا : عزيز ابن الله ، والمسيح ابن الله ، والملائكة بنات الله. تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا ، (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) ؛ فى الألوهية ؛ كما تقول الثنوية القائلون بتعدد الآلهة. (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِ) أي : لم يكن له ناصر ينصره (مِنَ الذُّلِّ) أي : لم يذل فيحتاج إلى ولي يواليه ؛ ليدفع ذلك عنه. وفى التعرض فى أثناء الحمد لهذه الصفات الجليلة ؛ إيذان بأن المستحق للحمد من هذه نعوته ، دون غيره ؛ إذ بذلك يتم الكمال ، وما عداه ناقص حقير ، ولذلك عطف عليه : (وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً) عظيما ، وفيه تنبيه على أن العبد وإن بالغ فى التنزيه والتمجيد ، واجتهد فى العبادة والتحميد ، ينبغى أن يعترف بالقصور عن حقه فى ذلك. روى أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا أفصح الغلام من بنى عبد المطلب علّمه هذه الآية : (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ...) إلخ (١). والله تعالى أعلم.
الإشارة : الإجهار بالذكر والقراءة والدعاء ، مباح لأهل البدايات ، لمن وجد قلبه فى ذلك ، وأما النهى الذي فى الآية فمنسوخ ؛ لأن الصحابة ، حين هاجروا من مكة ، رفعوا أصواتهم بالقراءة والتكبير. لكن المداومة عليه من شأن أهل البعد عن الحضرة ، وأما أهل القرب فالغالب عليهم السكوت أو المخافتة ؛ قال تعالى : (وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً) (٢). وأما أمر الرسول عليه الصلاة والسلام لأبى بكر رضي الله عنه بالإجهار قليلا ، وعمر بالخفض قليلا ؛ فإخراج لهم عن مرادهم ؛ تربية لهم. وختم السورة بآية العز ؛ إشارة إلى أن من أسرى بروحه ، أو بجسده إلى الملأ الأعلى كان عاقبته العز والرفعة فى الدارين.
__________________
(١) أخرجه ابن السنى فى عمل اليوم والليلة (باب ما يلقن الصبى إذا أفصح بالكلام) ، من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده.
(٢) من الآية ١٠٨ من سورة طه.