قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «من رأى شيئا فأعجبه فقال : ما شاء الله لا قوّة إلّا بالله ، لم يضرّه شىء» (١). وقال لأبى هريرة : «ألا أدلك على كلمة من كنوز الجنّة؟ قال : بلى يا رسول الله ، قال : لا قوة إلّا بالله ، إن قالها العبد قال الله عزوجل : أسلم عبدى واستسلم» (٢). وقال لعبد الله بن قيس : «ألا أدلّك على كنز من كنوز الجنّة؟ قال : بلى ، يا رسول الله ، قال : لا حول ولا قوّة إلّا بالله» (٣).
ثم قال له أخوه المسلم : (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً) فى الدنيا ، وفيه تقوية لمن فسر النفر بالولد ، (فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ) فى الآخرة أو فى الدنيا (خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ) والمعنى : إن ترنى أفقر منك فأنا أتوقع من صنع الله سبحانه أن يقلب ما بي وبك من الفقر والغنى ، فيرزقنى جنة خيرا من جنتك ، ويسلبك ؛ لكفرك نعمته ، ويخرب جنتك ، (وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً) : عذابا (مِنَ السَّماءِ) يذهبها ، من برد أو صاعقة ، وهو جمع : حسبانة ، وهى : المرامى من هذه الأنواع المذكورة ، وتطلق أيضا ، فى اللغة ، على سهام ترمى دفعة واحدة ، (فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً) أي : أرضا ملساء ، يزلق عليها ؛ لاستئصال ما عليها من النبات والشجر والبناء ، (أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها) أي : النهر الذي خلالها (غَوْراً) : غائرا ذاهبا فى الأرض ، و (زَلَقاً) و (غَوْراً) : مصدران ، عبّر بهما عن الوصف ؛ مبالغة. (فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً) أي : لن تستطيع أبدا للماء الغائر طلبا ، بحيث لا يبقى له أثر يطلبه به ، فضلا عن وجدانه ورده.
(وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ) أي : هلكت أشجاره المثمرة ، وأمواله المعهودة ، وأصله : من إحاطة العدو ، وهو عطف على مقدر ، كأنه قيل : فوقع بعض ما وقع من المحذور ، وأهلكت أمواله ، روى أن الله تعالى أرسل عليها نارا فأحرقتها وغار ماؤها. (فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ) ظهرا لبطن ، أو يضرب يديه واحدة على أخرى ، يصفق بهما ، وهو كناية عن الندم ، كأنه قال : فأصبح يندم (عَلى ما أَنْفَقَ فِيها) أي : فى عمارتها من الأموال. وجعل تخصيص الندم بها دون ما هلك الآن من الجنة ؛ لأنه إنما يكون على الأفعال الاختيارية. انظر أبا السعود.
(وَهِيَ) أي : الجنة (خاوِيَةٌ) : ساقطة (عَلى عُرُوشِها) أي : دعائمها المصنوعة للكروم ، فسقطت العروش أولا ثم سقطت الكروم عليها. وتخصيص حالها بالذكر ، دون الزرع والنخل ، إمّا لأنها العمدة وهما من متمماتها ، وإمّا لأن ذكر هلاكها مغن عن ذكر هلاك الباقي ؛ لأنها حيث هلكت ، وهى مشتدة بعروشها فهلاك
__________________
(١) أخرجه ابن السني فى عمل اليوم والليلة (ح ٢٠٦) من حديث أنس ؛ مرفوعا ، والبيهقي فى شعب الإيمان (باب فى تعديد نعم الله عزوجل ، ح ٤٣٧٠).
(٢) أخرجه أحمد فى المسند (٢ / ٢٩٨) عن أبى هريرة رضي الله عنه.
(٣) أخرجه البخاري فى (المغازي ، باب غزوة خيبر) ، ومسلم فى (الذكر ، باب استحباب خفض الصوت بالذكر) من حديث أبى موسى الأشعري.