(وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا) أي : رسولا لجرهم ومن والاهم ، مخبرا لهم بغيب الوحى ، وكان أولاده على شريعته ، حتى غيرها عمرو بن لحى الخزاعي ، فأدخل الأصنام مكة. فمازالت تعبد حتى محاها نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم بشريعته المطهرة.
(وَكانَ) إسماعيل (يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ) ، قدّم الأهل اشتغالا بالأهم ، وهو أن يقبل بالتكميل على نفسه ، ومن هو أقرب الناس إليه ، قال تعالى : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (١) ، (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ) (٢) ، (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً) (٣) ، وقصد إلى تكميل الكل بتكميلهم ؛ لأنهم قدوة يؤتسى بهم. وقيل : أهله : أمته ؛ لأن الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ آباء الأمم. (وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) ؛ لاتصافه بالنعوت الجليلة التي من جملتها ما ذكر من الخصال الحميدة. والله تعالى أعلم.
الإشارة : قد وصف الحق ـ جل جلاله ـ نبيه إسماعيل بثلاث خصال ، بها كان عند ريه مرضيا ، فمن اتصف بها كان مرضيا مقربا : الوفاء بالوعد ، والصدق فى الحديث ؛ لأنه مستلزم له ، وأمر الناس بالخير. أما الوفاء بالعهد فهو من شيم الأبرار ، قد مدح الله تعالى أهله ، ورغّب فيه وأمر به ، قال تعالى : (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا) (٤). وقال تعالى : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ) (٥) فإخلاف الوعد من علامة النفاق ، قال صلىاللهعليهوسلم : «آية المنافق ثلاث : إذا حدّث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان» وخلف الوعد إنما يضر إذا كان نيته ذلك عند عقده ، أو فرط فيه ، وأما إن كان نيته الوفاء ، ثم غلبته المقادير ، فلا يضر ، لا سيما فى حق أهل الفناء ، فإنهم لا حكم لهم على أنفسهم فى عقد ولا حل ، بل هم مفعول بهم ، زمامهم بيد غيرهم ، كل ساعة ينظرون ما يفعل الله بهم ، فمثل هؤلاء لا ميزان عليهم فى عقد ولا حل. فمثلهم مع الحق كمثل الأطفال المحجر عليهم فى التصرف ، ولذلك قالوا : (الصوفية أطفال فى تربية الحق تعالى). فإياك أن تطعن على أولياء الله إذا رأيت منهم شيئا من ذلك ، والتمس أحسن المخارج ، وهو ما ذكرته لك ، فإنه عن تجربة وذوق. والله تعالى أعلم.
ثم ذكر نبيه إدريس عليهالسلام ، فقال :
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (٥٦) وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا (٥٧))
__________________
(١) الآية ٢١٤ من سورة الشعراء.
(٢) الآية ١٠٢ من سورة طه.
(٣) الآية ٦ من سورة التحريم.
(٤) الآية ١٧٧ من سورة البقرة.
(٥) الآية ٩١ من سورة النحل.