الإشارة : من أراد كرامة الآخرة فليربّ يقينه فيها ، حتى تكون نصب عينيه ، فإنه يرد على الله كريما. ومن أراد السلامة من أهوالها فليخفف من أوساخها وأشغالها ، ويلازم طاعة الله واتباع الرسول صلىاللهعليهوسلم. ومن أراد سرعة المرور على الصراط فليلزم اليوم اتباع الصراط المستقيم ، فبقدر ما يستقيم عليها تستقيم أقدامه على الصراط ، وبقدر ما يزل عنها يزلّ عن الصراط.
قال فى الإحياء ، لما تكلم على العدل فى الكيل والوزن ، قال بعد كلامه : وكل مكلف فهو صاحب موازين فى أفعاله وأقواله وخطراته ، فالويل له إن عدل عن العدل ، ومال عن الاستقامة ، ولو لا تعذّر هذا واستحالته لما ورد قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها ..) الآية ، فلا ينفك عبد ليس معصوما عن الميل عن الاستقامة ، إلا أن درجات الميل تتفاوت تفاوتا عظيما ، فبذلك تتفاوت مدة إقامتهم فى النار إلى أوان الخلاص ، حتى لا يبقى بعضهم إلا بقدر تحلة القسم ، ويبقى بعضهم ألفا وألوف سنين ، نسأل الله تعالى أن يقربنا من الاستقامة والعدل ، فإن الاستداد على متن الصراط المستقيم من غير ميل عنه غير مطموع فيه ؛ فإنه أدق من الشعرة ، وأحدّ من السيف ، ولولاه لكان المستقيم عليه لا يقدر على جواز الصراط الممدود على متن النار ، الذي من صفته أنه أدق من الشعر ، وأحدّ من السيف ، وبقدر الاستقامة على الصراط المستقيم يخف مرور العبد يوم القيامة على الصراط. ه.
وقال الترمذي الحكيم : يجوز الأولياء والصديقون وهم لا يشعرون بالنار ، قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) (١) ، وإنما بعدوا عنها لأن النور احتملهم واحتوشهم ، فهم يمضون فى النار ، حتى إذا خرجوا منها قال بعضهم لبعض : أليس قد وعدنا النار ، فذكر ما تقدم. ثم قال : فأما ضجة النار فمن بردهم ، وذلك أن الرحمة باردة تطفئ غضب الرب ، فبالرحمة نالوا النور ، حتى أشرق فى قلوبهم وصدورهم ، فكان نوره فى قلوبهم ، والرحمة مظلة عليهم ، فخمدت النار من بردهم عند ما لقوها ، فضجت من أجل أنها خلقت منتقمة ، فخافت أن تضعف عن الانتقام. ولذلك روى أنها تقول : «جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبى». (٢) ه.
وقال الورتجبي : إذا كان جمال الحق مصحوبهم ، فلا بأس بالوقوف فى النيران ، فإن هناك أهل الجنان.
إذا نزلت سلمى بواد فماؤها |
|
زلال وسلسال ، وسيحانها ورد. ه. |
وقال جعفر الصادق : لو لا مقاربة النفوس ما دخل أحد النار ، فلما فارقتهم نفوسهم أوردهم النار بأجمعهم ، فمن كان أشد إعراضا عن خبث النفس كان أسرع نجاة من النار ، ألا ترى الله يقول : (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا). ه. قلت.
__________________
(١) من الآية ١٠١ من سورة الأنبياء.
(٢) رواه أبو نعيم فى الحلية (٩ / ٣٢٩) ، والخطيب فى تاريخ بغداد (٥ / ١٩٤) ، والطبراني فى الكبير ، وابن عدى فى الكامل ، والحكيم الترمذي فى نوادر الأصول ، وفى سنده : سليم بن منصور بن عمار ، وهو ضعيف ، انظر : مجمع الزوائد (١٠ / ٣٦٠) ، وكشف الخفاء (١ / ٣٧٣ ـ ٣٧٤).