يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (٣٩) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى (٤٠) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١))
قلت : (مَرَّةً) : منصوب على الظرفية الزمانية ، وأصله : فعلة ، من المرور ، اسم للمرور الواحد ، ثم شاع فى كل فرد واحد من أفراد أمثاله ، ويقرب منها الكرة والرجعة. و (إِذْ) : ظرف لمننا ، و (أَنِ اقْذِفِيهِ) : مفسرة ، أو مصدرية ، و (يَأْخُذْهُ) : جواب «أن اقذفيه». و (لِتُصْنَعَ) : متعلق بألقيت ، عطف على علة مضمرة ، أي : ليتعطف عليك ولتربى على حفظى ورعايتى. و (إِذْ تَمْشِي) : ظرف (لِتُصْنَعَ) على أن المراد وقت مشيها إلى بيت فرعون ، وما يترتب عليه من القول والرجع إلى أمه.
يقول الحق جل جلاله : (قالَ) الله تعالى لموسى عليهالسلام : (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ) أي : أعطيت مسؤولك ، وبلغنا لك مأمولك فى كل ما طلبت منا. والإيتاء ، هنا ، عبارة عن تعلق الإرادة بوقوع تلك المطالب وحصولها ، وإن كان وقوع بعضها مستقبلا ، ولذلك قال : (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ) (١) ، وإعادة النداء فى قوله : (يا مُوسى) تشريفا له بتوجيه الخطاب بعد تشريفه بإجابة المطلب.
ثم ذكّره بنعمة أخرى قد سلفت ، فقال : (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى) قبل أن يكون منك لنا طلب ، فكيف لا نجيبك بعد الطلب؟ وتلك المنة : (إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ) حين تحيرت فى أمرك ، وخافت عليك من عدوك ، فأوحينا إليها وحي منام أو إلهام أو بملك كريم ـ عليهماالسلام ـ فقلنا لها : (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ) أي : ضعيه فيه ، وأغلقى عليه حتى لا يصل الماء إليه ، (فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِ) أي : ألقيه فى البحر بتابوته ، (فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ) أي : فسيرميه البحر بالساحل ، ولمّا كان إلقاء البحر له بالساحل أمرا واجب الوقوع ؛ لتعلق الإرادة الربانية به ، جعل البحر كأنه مأمور بإلقائه ، ذو تمييز ، مطيع ، فإن يلقه (يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ) وهو فرعون. ولا تخافي عليه ؛ (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (٢). وتكرير عداوته والتصريح بها ؛ للإشعار بأن عداوته له ، مع تحققها ، لا تضره ، بل تؤدى إلى محبته ، لأن الأمر بما فيه الهلاك ؛ من القذف فى البحر ، ووقوعه فى يد العدو ، مشعر بأن هناك ألطافا خفية ، ومننا كامنة مندرجة تحت قهر صورى.
__________________
(١) من الآية ٣٥ من سورة القصص.
(٢) كما جاء فى الآية ٧ من سورة القصص.