فأحب أن يأكل من الشجرة ؛ ليتناول الملكية ، التي هى فى ظنه أفضل ، لا سيما وقد قال سبحانه : (وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) (١) ، قال آدم عليهالسلام : (ما ظننت أن أحدا يحلف بالله كاذبا) ، فكان كما قال الله سبحانه : (فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ). ه.
وسئل ابن عطاء عن قوله تعالى : (هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ)؟ فقال : قال آدم عليهالسلام : يا رب لم أدّبتنى ، وإنما أكلت من الشجرة طمعا فى الخلود فى جوارك؟ فقال الله : يا آدم طلبت الخلود من الشجرة لا منى ، والخلود بيدي وملكى ، فأشركت بي ، وأنت لا تعلم ، ولكن نبهتك بالخروج من الجنة حتى لا تنسانى فى وقت من الأوقات. ه. والحاصل : أنه إمّا أن يحمل النسيان على حقيقته ، ويكون معه وقوع الأكل بمطالعة القدر وقبضة الجبر ، ولا يعارضه : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ) ؛ لأنه اتفق ذلك صورة وظاهرا ، مع شهود الجبر باطنا ، وإمّا أن يحمل النسيان على الترك ، بتأويل أن النهى ليس على التحتم ، فتركه لما أمل من جوار الحق وقربه فى الأكل ، فقدمه ؛ لأنه أرجح عنده. قاله المحشى.
وقوله تعالى : (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ ...) الآية ، يؤخذ منه سد باب التأويلات والرخص فى الأمر الممنوع شرعا ، فإن أبيح بعضه ومنع البعض فلا توسعة ، فلأن تترك مباحا خير من أن تقع فى محرم ، وقد كان السلف يتركون مائة جزء من المباح ، خوفا من الوقوع فى المحرم. والله الهادي إلى سواء الطريق.
ثم قال تعالى :
(... وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (١٢١) ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى (١٢٢) قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (١٢٣) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (١٢٤) قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (١٢٥) قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى (١٢٦) وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى (١٢٧))
__________________
(١) الآية ٢١ من سورة الأعراف.