وقيل : العجل الطين ، بلغة حمير ، ولا مناسبة له هنا.
قال تعالى ، صارفا للخطاب عن الرسول إلى المستعجلين : (سَأُرِيكُمْ آياتِي) : نقماتى ، كعذاب النار وغيره ، (فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) بالإتيان بها ، وهو نهى عما جبلت عليه نفوسهم ؛ ليقهروها عن مرادها من الاستعجال.
(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) : إتيان العذاب ، أو القيامة ، (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فى وعدكم بأنه يأتينا ، قالوه استعجالا بطريق الاستهزاء والإنكار ، لا طلبا لتعيين وقته ، والخطاب للنبى صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين الذين يتلون الآيات الكريمة المنبئة عن مجىء الساعة. قال تعالى : (لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، هذا استئناف مسوق لبيان شدة هول ما يستعجلونه ، وفظاعة ما فيه من العذاب ، وأنهم يستعجلونه لجهلهم بشأنه. وقوله تعالى : (حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) : مفعول «يعلم» ، وهو عبارة عن الوقت الموعود ، الذي كانوا يستعجلونه. وقوله : (لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : حين يرون ويعلمون حقيقة الحال ، وهو معاينة العذاب. وجواب «لو» : محذوف ، أي : لو يعلمون الوقت الذي يستعجلونه بقولهم : متى هذا الوعد؟ وهو الوقت الذي تحيط بهم النار من ورائهم وقدامهم ، فلا يقدرون على دفعها ومنعها من أنفسهم ، ولا يجدون ناصرا ينصرهم ، لما كانوا بهذه الصفة من الكفر والاستهزاء والاستعجال ، ولكن جهلهم به هو الذي هوّنه عندهم.
(بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً) أي : بل تأتيهم النار أو الساعة فجأة ، (فَتَبْهَتُهُمْ) : فتحيّرهم أو تغلبهم ، (فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها) ؛ فلا يقدرون على دفعها عنهم ، أي : النار أو الساعة ، (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) : يمهلون ؛ ليستريحوا طرفة عين.
ثم سلّى رسوله عن استهزائهم ، فقال : (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ) : نزل أو أحاط أو حلّ (بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ) أي : من أولئك الرسل ـ عليهمالسلام ـ جزاء (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) ، وهو العذاب الدائم. نسأل الله العافية.
الإشارة : كل من خرق عوائد نفسه ، وخرج عن عوائد الناس ، أو أمر بالخروج عن العوائد ، رفضه الناس واتخذوه هزوا ، سنة الله التي قد خلت من قبل ، لم يأت أحد بذلك إلا عودى ، فإن ظهر عليه أثر الخصوصية ؛ من علم لدنى ، أو هداية خلق على يده ، استعجلوه بإظهار الكرامة ، كما هو شأن الإنسان ، خلق من عجل ، فيقول : سأوريكم آياتي ، فإن الأمر إذا كان مؤسسا على الحق لا بد أن تظهر أنواره وأسراره ، فلو يعلم الذين كفروا بطريق الخصوص ، حين ترهقهم الحسرة ، وتحيط بهم الندامة ، إذا رأوا أهل الصفاء يسرحون فى أعلى عليين حيث شاءوا ، وجوههم كالشموس الضاحية ، لبادروا إلى الانقياد لهم ، وتقبيل التراب تحت أقدامهم ، ولكنهم اليوم فى غفلة ساهون.