الإشارة : من أحب شيئا حشر معه ، من أحب أولياء الله حشر معهم ، ومن أحب الصالحين حشر معهم ، ومن أحب الفجار حشر معهم ، ومن أحب الدنيا بعث معها ، ثم بعث إلى النار ، وهكذا .. المرء مع من أحب.
ثم استثنى بذكر حال أهل السعادة ، فقال :
(إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ (١٠١) لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ (١٠٢) لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (١٠٣))
يقول الحق جل جلاله : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى) أي : الخصلة الحسنى ، أو المشيئة الحسنى ، وهى السعادة ، أو التوفيق للطاعة ، أو البشرى بالثواب ، (أُولئِكَ عَنْها) : عن جهنم (مُبْعَدُونَ) ؛ لأنهم فى الجنة ، وشتان ما بينهما. قال القشيري : لم يقل متباعدون ؛ ليعلم العابدون أن المدار على التقدير وسبق الحكم من الله ، لا على تباعد العبد وتقرّبه. ه. وكأنه يشير لقوله : «هؤلاء إلى الجنّة ولا أبالى» (١) ، أي : بأعمالهم.
(لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها) أي : صوتها الذي يحس ، وحركة تلهبها ، وهذه مبالغة فى الإبعاد ، أي : لا يقربوها حتى لا يسمعوا صوتها أو صوت من فيها. قال الكواشي : لا يسمعون صوت النار وحركة تلهبها إذا نزلوا منازلهم من الجنة. ه. وقال ابن عطية : وذلك بعد دخولهم الجنة ؛ لأن الحديث يقتضى أن فى الموقف تزفر جهنم زفرة لا يبقى نبى ولا ملك إلا خرّ على ركبتيه. ه. قال شيخ شيوخنا سيدى عبد الرحمن الفاسى : محمل الحديث ، إن صح فى حق الأنبياء والأكابر ، على شهود الجلال والإجلال لله تعالى ، ولذلك يقولون : «نفسى نفسى» ، لا من خوف النار. ه.
قلت : أما كون الناس يصعقون يوم القيامة ، فيكون المصطفى أول من يفيق ، فثابت فى الصحيح ، أما سبب الصعقة فقد ورد فى غير البخاري : «أنه يؤتى بجهنم ، ولها سبعون ألف زمام ، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها ، ثم تزفر زفرة ، فلا يبقى نبى ولا ملك إلا خرّ» (٢) ... الحديث ، ويؤيده قوله تعالى : (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ
__________________
(١) بعض حديث ، أخرجه الإمام أحمد فى المسند (٤ / ١٨٦) والحاكم فى المستدرك (١ / ٣١) ، وابن حبان (١٨٠٦ موارد) ، عن عبد الرحمن بن قتادة السلمى. والحديث ، صححه الحاكم ، ووافقه الذهبي.
(٢) أخرجه ، بدون العبارة الأخيرة ، مسلم فى (الجنة وصفه نعيمها ، باب فى شدة حر نار جهنم ..) من حديث ابن مسعود رضى الله عنه.