بِجَهَنَّمَ) (١) والأنبياء ـ عليهمالسلام ـ بشر عبيد ، قد تعمهم القهرية ، ولا تقدح فى منصبهم ، وليس صعقهم خوفا ، لكن غلبة ودهشا ، كما صعق موسى ـ عليهالسلام عند الرؤية ، ونبينا ـ عليه الصلاة والسلام ـ حين تجلى له جبريل على صورته. والله أعلم. وقال جعفر الصادق : وكيف يسمعون حسيسها ، والنار تخمد بمطالعتهم ، وتتلاشى برؤيتهم؟ ثم ذكر حديث قول النار للمؤمن : جز .. إلخ.
ويدل على أن هذه الحالة إنما هى بعد دخولهم الجنة ، قوله تعالى : (وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ) من النعيم (خالِدُونَ) : دائمون ، والشهوة : طلب النفس للذة. وهو بيان لفوزهم بالمطالب ، إثر بيان خلاصهم من المهالك والمعاطب ، أي : دائمون فى غاية التنعم ، (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) ، وهو القيام من القبور عند صيحة البعث ، بدليل قوله : (وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ). قال ابن عباس : «تتلقاهم الملائكة بالرحمة ، عند خروجهم من القبور» ، قائلين : (هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) بالكرامة والثواب ، والنعيم المقيم فيه ، أي : بعد دخولكم الجنة.
وقال الحسن : الفزع الأكبر : الانصراف إلى النار. وعن الضحاك : حين يطبق على أهل النار. وقيل : حين نفخة الصعق ، وقيل : حين يذبح الموت. قلت : من سبقت له الحسنى ينجو من جميعها. وقيل : تتلقاهم الملائكة على أبواب الجنة ، مهنئين لهم قائلين : (هذا يومكم الذي كنتم توعدون) فى الدنيا ، ويبشرون بما فيه من فنون المثوبات على الإيمان والطاعات. وهذا ، كما ترى ، صريح فى أن المراد بالذين سبقت لهم الحسنى : كافة المؤمنين الموصوفين بالإيمان والأعمال الصالحة ، لا من ذكر ؛ من المسيح ، وعزير ، والملائكة ، كما قيل. قاله أبو السعود ، قلت : وقد يجاب بأنها نزلت فى شأنهم وتعم غيرهم ؛ لأن سبب النزول لا يخصص. والله تعالى أعلم.
الإشارة : قال الجنيد رضى الله عنه : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى) أي : سبقت لهم منا العناية فى البداية ، فظهرت لهم الولاية فى النهاية. ه. (أُولئِكَ عَنْها) أي : عن نار القطيعة ، وهى أغيار الدنيا ، مبعدون ، لا يسمعون حسيسها ، ولا ما يقع فيها من الهرج والفتن ، لغيبتهم عنها بالكلية فى الشغل بالله تعالى ، فهم فيما اشتهت أنفسهم ؛ من لذة الشهود ، والقرب من الملك الودود ، خالدون دائمون ، لا يحزنهم الفزع الأكبر فى الدنيا والآخرة ، وتتلقاهم الملائكة بالبشرى بالوصول ، هذا يومكم الذي كنتم توعدون ، وهو يوم ملاقاة الحبيب والعكوف فى حضرة القريب ، عند مليك مقتدر. منحنا الله من ذلك الحظ الأوفر بمنّه وكرمه.
__________________
(١) من الآية ٢٣ من سورة الفجر.