والمراد : تفصيل حال المضغة ؛ من كونها أولا مضغة ، لم يظهر فيها شىء من الأعضاء ، ثم ظهرت بعد ذلك شيئا فشيئا. وكان مقتضى الترتيب أن يقدم غير المخلقة على المخلقة ، وإنما أخرت عنها ؛ لأنها عدم الملكة ، والملكة أشرف من العدم.
وإنما فعلنا ذلك ؛ (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) ، بهذا التدريج ، كمال قدرتنا وحكمتنا ؛ لأن من قدر على خلق البشر من تراب أولا ، ثم من نطفة ثانيا ، وقدر على أن يجعل النطفة علقة ، والعلقة مضغة ، والمضغة عظاما ، قدر على إعادة ما بدأ ، بل هو أهون فى القياس (وَنُقِرُّ) أي : نثبت (فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ) ثبوته (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) : وقت الولادة ، ومالم نشأ ثبوته أسقطته الأرحام. (ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ) من الرحم (طِفْلاً) ، أي : حال كونكم أطفالا. والإفراد باعتبار كل واحد منهم ، أو بإرادة الجنس ، (ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ) أي : ثم نربيكم ؛ لتبلغوا كمال عقلكم وقوتكم. والأشد : من ألفاظ الجموع التي لم يستعمل له واحد. ووقته : قيل : ثلاثون سنة ، وقيل : أربعون.
(وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى) قبل بلوغ الأشد أو بعده ، (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) أي : أخسه ، وهو الهرم والخرف ، (لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً) أي : لكيلا يعلم شيئا من بعد ما كان يعلمه من العلوم ، مبالغة فى انتقاص علمه ، وانتكاس حاله ، أي : ليعود إلى : ما كان عليه فى أوان الطفولية ، من ضعف البنية ، وسخافة العقل ، وقلة الفهم ، فينسى ما علمه ، وينكر ما عرفه ، ويعجز عما قدر عليه. قال ابن عباس : من قرأ القرآن ، وعمل به ، لا يلحقه أرذل العمر. ثم ذكر دليلا آخر على البعث ، فقال : (وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً) : ميته يابسة ، (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ) ؛ تحركت بالنبات (وَرَبَتْ) ؛ انتفخت (وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ) : صنف (بَهِيجٍ) : حسن رائق يسر ناظره.
(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ) أي : ذلك الذي ذكرنا ؛ من خلق بنى آدم ، وإحياء الأرض ، مع ما فى تضاعيف ذلك من أصناف الحكم ، حاصل بهذا ، وهو أن الله هو الحق ، أي : الثابت الوجود. هكذا للزمخشرى ومن تبعه ، وقال ابن جزى : والظاهر : أن الباء ليسست سببية ، كما قال الزمخشري ، وهو أيضا مقتضى تفسير ابن عطية ، وإنما يقدر لها فعل يتعلق به ويقتضيه المعنى ، وذلك أن يكون التقدير : ذلك الذي تقدم من خلق الإنسان والنبات ، شاهد بأن الله هو الحق ، وبأنه يحيى الموتى ، وبأن الساعة آتية ، فيصح عطف (وَأَنَّ السَّاعَةَ) على ما قبله ، بهذا التقدير ، وتكون هذه الأشياء المذكورة ، بعد قوله : (ذلك) ، مما استدل عليه بخلقة الإنسان والنبات. ه.
قال المحشى الفاسى : ويرد عليه : أن تقديره عاملا خاصا يمنع حذفه ، وإنما يحذف إذا كان كونا مطلقا ، فلا يقال : زيد فى الدار ، وتريد ضاحك مثلا ، إلا أن يقال فى الآية : دل عليه السياق ، فكأنه مذكور. وعند الكواشي :