بل يضرهم مضرة عظيمة. ثم قال تعالى : (إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) من الأفعال المتقنة ، المبنية على الحكم البالغة الرائقة ، التي من جملتها : إثابة من آمن به ، وصدّق رسوله ، وعبده على كل حال ، وعقاب من أشرك به ، وكذب رسول الله ، أو عبده على حرف. وبالله التوفيق.
الإشارة : إن الله يدخل الذين آمنوا ، واطمأنوا به ، وعبدوه فى جميع الحالات ، وقاموا بعمل العبودية فى كل الأوقات ، جنات المعارف ، تجرى من تحتها أنهار العلوم والحكم ، إن الله يفعل ما يريد ؛ فيقرب هذا ، ويبعد هذا ، بلا سبب ؛ «جلّ حكم الأزل أن يضاف إلى العلل». وبالله التوفيق.
ولمّا كان نفوذ هذا الوعيد فى المشركين ، وإنجاز وعد المؤمنين ؛ تصديقا لرسوله صلىاللهعليهوسلم ، ونصرة له ، ذكر حال من غاظه ذلك وكرهه ، فقال :
(مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ (١٥) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَأَنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (١٦))
يقول الحق جل جلاله : لا تظنوا أن الله غير ناصر لرسوله صلىاللهعليهوسلم ؛ بل هو ناصر له فى الدنيا والآخرة لا محالة ، فمن كان (يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) ، ويغيظه ذلك من أعاديه وحساده ، ويفعل ما يدفع ذلك ؛ من الخدع والمكائد ، فليبالغ فى استفراغ المجهود ، وليجاوز كل حد معهود ، فعاقبة أمره أن يختنق خنقا من ضلال مساعيه ، وعدم إنتاج مقدماته ومبادئه. (فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ) أي : فليمدد حبلا إلى سقف بيته ، (ثُمَّ لْيَقْطَعْ) أي : ليختنق ، من قطع : إذا اختنق ؛ لأنه يقطع نفسه بحبس مجاريه. أو : ليقطع من الأرض ، بعد ربط الحبل فى العنق وربطه فى السقف.
(فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ) أي : فليصور فى نفسه أنه إن فعل ذلك ؛ هل يذهب نصر الله الذي يغيظه بسبب فعله ، وسمى فعله كيدا ، على سبيل الاستهزاء ؛ لأنه لم يكد به محسوده ، إنما كاد به نفسه. والمراد : ليس فى يده إلا ما ليس بمذهب لما يغيظه ، فتحصّل أن الضمير فى (ينصره) يعود على النبي صلىاللهعليهوسلم ، وإن لم يتقدم ذكره صراحة ، لكنه معهود ؛ إذ الوحى إنما ينزل عليه. وقيل : يعود على «من» ، والمعنى على هذا : من ظن ـ بسبب ضيق صدره ، وكثرة غمه ـ أن لن ينصره الله ، فليختنق وليمت بغيظه ، فإنه لا يقدر على غير ذلك ، فموجب الاختناق ، على هذا ، القنوط والسخط من القضاء ، وسوء الظن بالله تعالى ، حتى يئس من نصره.