قلت : إنّ (اللهَ يَفْصِلُ) : خبر «إنّ» الأولى.
يقول الحق جل جلاله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) بما ذكر من الآيات البينات ، أو بكل ما يجب الإيمان به ـ فيدخل ما ذكر دخولا أوليا ـ أي : آمنوا بذلك ، بهداية الله وإرادته ، (وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ) ، وهم قوم من النصارى ، اعتزلوهم ، ولبسوا المسوح ، وقيل : أخذوا من دين النصارى شيئا ، ومن دين اليهود شيئا ، وهم القائلون بأن للعالم أصلين : نورا وظلمة ، ويعتقدون تأثير النجوم. (وَالْمَجُوسَ) وهم الذين يعبدون النار ، ويقولون : إن الخير من النور ، والشر من الظلمة ، (وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) ، وهم عبدة الأصنام ؛ من العرب وغيرهم ، فهذه ستة أديان ، خمسة للشيطان ، وواحد للرحمن. (إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) ؛ فى الأحوال والأماكن ، فلا يجازيهم جزاء واحدا ، ولا يجمعهم فى موطن واحد. أو يحكم بين المؤمنين ، وبين الفرق الخمسة المتفقة على ملة الكفر ، بإظهار المحق من المبطل ، فيكرم المحق ويهين المبطل ، (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) أي : عالم بكل شىء ، مراقب لأحواله ، حافظ له ، مطلع على سره وعقده. ومن قضية الإحاطة بتفاصيل كل فرد من أفراد الفرق المذكورة : إجراء جزائه اللائق عليه ، وهو أبلغ وعيد. والله تعالى أعلم.
الإشارة : كما يفصل الله يوم القيامة بين الملل المستقيمة والفاسدة ؛ يفصل أيضا بين أرباب القلوب المستقيمة الصحيحة المعمورة بنور الله ، وبين أرباب القلوب السقيمة الخاربة من النور ، المعمورة بالظلمة من الوساوس والخواطر ، فيرفع الأولين مع المقربين الصديقين ، ويسقط الآخرين فى أسفل سافلين ، أو مع عامة أهل اليمين. وبالله التوفيق ،
ثم برهن على كونه شهيدا على الأشياء ؛ بسجودها له ، وخضوعها من هيبته ، فقال :
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (١٨))
يقول الحق جل جلاله : (أَلَمْ تَرَ) ، أيها السامع ، أو من يتأتى منه الرؤية ، أي : رؤية علم واستبصار ، أو : يا محمد ، علما يقوم مقام العيان ، (أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ) أي : ينقاد إليه انقيادا تامّا (مَنْ فِي السَّماواتِ) من الملائكة ، (وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) من الإنس والجن والملائكة. ويحتمل أن تكون «من» : عامة للعاقل وغيره ،