فيدخل كل ما فى السموات من عجائب المصنوعات ، وكل ما فى الأرض من أنواع المخلوقات. ويكون قوله : (وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُ) ، من عطف الخاص على العام ؛ لاستبعاد ذلك منها عادة. ويحتمل أن يكون السجود على حقيقته ، ولكن لا نفقه ذلك ، كما لا نفقه تسبيحهم.
ونقل الكواشي عن أبى العالية : (ما فى السماء نجم ، ولا شمس ، ولا قمر ، إلا يقع ساجدا حين تغيب ، ثم لا ينصرف حتى يؤذن له). وذكر فى صحيح البخاري : «أن الشمس لا تطلع حتى تسجد وتستأذن» (١). وقال مجاهد : (سجود الجبال والشجر والدواب : تحوّل ظلالها). أو سجودها : طاعتها ؛ فإنه ما من جماد إلا وهو مطيع لله تعالى ، خاشع ، يسبح له. شبّه طاعتها له وانقيادها لأمره بسجود المكلف الذي كلّ خضوع دونه.
(وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) يسجد لله تعالى سجود طاعة وعبادة ، (وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ) ؛ حيث امتنع من هذا السجود ، الذي هو سجود عبادة ؛ لكفره وعتوه. قال ابن عرفة : قوله : «وكثير» : يحتمل كونه مبتدأ ، ويكون فى الآية حذف المقابل ، أي : وكثير من الناس مثاب ، وكثير حق عليه العذاب. فلا يرد سؤال الزمخشري. ه. وقدّره غيره : وكثير من الناس يسجدون ، وكثير يأبى السجود ؛ فحق عليه العذاب. وقيل : وكثير حق عليه العذاب بإنكاره النبوة ، وإن سجد للصانع ؛ كالفلاسفة واليهود والنصارى. ه.
(وَمَنْ يُهِنِ اللهُ) ؛ بأن صرفته الشقاوة عن الانقياد لأمره الشرعي ، (فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) بالسعادة ، أو يوم القيامة ، بل يذل ويهان ، (إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) فى ملكه ؛ يكرم من يشاء بفضله ، ويهين من يشاء بعدله ، لا معقب لحكمه. اللهم أكرمنا بطاعتك ومحبتك ، واجعلنا منقادين لأمرك وحكمك ، ونعّمنا بحلاوة شهودك ومعرفتك ، إنك على كل شىء قدير. هكذا يدعى فى هذه السجدة. وبالله التوفيق.
الإشارة : قد تجلى الحق جل جلاله بأسرار ذاته لباطن الأشياء ، وبأنوار صفاته لظاهرها ، فتعرف لكل شىء بأسرار ذاته وأنوار صفاته ، فعرفه كلّ شىء ، ولذلك سجد له وسبح بحمده. وفى الحكم : «أنت الذي تعرّفت لكل شىء ، فما جهلك شىء». فظواهر الأوانى ساجدة لأسرار المعاني ، وخاضعة للكبير المتعالي ، ولا يفقه هذا إلا من خاض بحر المعاني ، ولم يقف مع حس الأوانى ، ولم يمتنع من الانقياد والخضوع لجلال الحق وكبريائه فى الظاهر والباطن ، إلا من أهانه الله من عصاة بنى آدم. ومن يهن الله فماله من مكرم ، إن الله يفعل ما يشاء.
__________________
(١) أخرج البخاري فى (التوحيد باب : وكان عرشه على الماء) ، ومسلم فى (الإيمان ، باب : الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان) ، عن أبى ذر قال : دخلت المسجد ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم جالس ، فلما غابت الشمس قال : «يا أبا ذر ؛ تدرى أين تذهب هذه؟» قال : قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : فإنها تذهب ، وتستأذن فى السجود ، فيؤذن لها ...» الحديث.