ثم بيّن الفصل ، الذي يفصل به يوم القيامة بين المؤمنين والكفرة بفرقها الخمس ، فقال :
(هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ (١٩) يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (٢٠) وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (٢١) كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٢٢) إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (٢٣) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ (٢٤))
قلت : (خَصْمانِ) : صفة لمحذوف ، أي : فريقان خصمان ، والمراد : فريق المؤمنين ، وفريق الكفرة بأقسامه الخمسة. وقيل : اسم يقع على الواحد والاثنين والجماعة ، والمراد هنا : الجماعة ، بدليل قوله : (اختصموا) ؛ بالجمع.
يقول الحق جل جلاله : (هذانِ خَصْمانِ) أي : مختصمان (اخْتَصَمُوا) أي : فريق المؤمنين والكافرين. وقال ابن عباس رضى الله عنه : (راجع إلى أهل الأديان المذكورة) ؛ فالمؤمنون خصم ، وسائر الخمسة خصم ، تخاصموا (فِي رَبِّهِمْ) أي : فى شأنه تعالى ، أو فى دينه ، أو فى ذاته وصفاته. والكل من شؤونه تعالى ، فكل فريق يصحح اعتقاده ، ويبطل اعتقاد خصمه. وقيل : تخاصمت اليهود والمؤمنون ؛ فقالت اليهود : نحن أحق بالله وأقدم منكم كتابا ، ونبيّنا قبل نبيّكم. وقال المؤمنون : نحن أحق بالله منكم ، آمنا بنبينا ونبيكم ، وبما أنزل الله من كتاب ، وأنتم تعرفون كتابنا ونبينا ، ثم كفرتم به ؛ حسدا (١). وكان أبو ذر يقسم أنها نزلت فى ستة نفر من قريش ، تبارزوا يوم بدر ؛ حمزة وعليّ ، وعبيدة بن الحارث ، مع عتبة ، وشيبه ابني ربيعة ، والوليد (٢). وقال علىّ رضى الله عنه : إنى لأوّل من يجثو بين يدى الله يوم القيامة ؛ للخصومة (٣). ه.
__________________
(١) أخرجه الطبري فى التفسير (١٧ / ١٣٢) عن ابن عباس رضى الله عنه.
(٢) أخرجه البخاري فى (المغازي باب قتل أبى جهل) ، وفى (تفسير سورة الحج. ، باب هذان خصمان اختصموا فى ربهم) ، ومسلم فى (التفسير ، باب فى قوله تعالى : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ)).
(٣) أخرجه البخاري فى الموضعين السابق ذكرهما ، وفى التفسير ، عن قيس بن عبادة ، عن سيدنا علىّ ـ كرم الله وجهه ـ.