ياسين : قال لى شيخ فى الطواف : من أين أنت؟ فقلت : من خراسان. فقال : كم بينك وبين البيت؟ فقلت : مسيرة شهرين أو ثلاثة. قال : فأنتم جيران البيت. فقلت : وأنت من أين سعيت؟ فقال : من مسيرة خمس سنوات ، وخرجت وأنا شاب ، فاكتهلت. فقلت : هذه والله هى الطاعة الجميلة ، والمحبة الصادقة ، فضحك. وقال :
زر من هويت ، وإن شطت بك الدار |
|
وحال من دونه حجب وأستار |
لا يمنعنك بعد عن زيارته |
|
إنّ المحب لمن يهواه زوّار |
(لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ) أي : يأتوك ليحضروا منافع لهم ، دنيوية ودينية ، لا توجد فى غير هذه العبادة ؛ كالطواف ونظر الكعبة ، وتضعيف أمر الصلاة ؛ لأن العبادة شرعت للابتلاء بالنفس كالصلاة والصوم ، أو بالمال ، وقد اشتمل الحج عليهما ، مع ما فيه من تحمل الأثقال وركوب الأهوال ، وقطع الأسباب وقطيعة الأصحاب ، وهجرة البلاد والأوطان ، ومفارقة الأهل والولدان. ولذلك ورد أنه يكفر الذنوب كلها ، كما فى الحديث : «من حجّ هذا البيت فلم يرفث ، ولم يفسق ، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمّه» (١).
(وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ) عند ذبح الضحايا والهدايا (فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ) ، وهى أيام النحر عند مالك ، وعند الشافعي : اليوم الأول والثاني والثالث ؛ لأن هذه هى أيام الضحايا عنده. ولم يجز ذبحها بالليل ؛ لقوله : (فِي أَيَّامٍ). وقال أبو حنيفة : الأيام المعلومات : عشر ذى الحجة ويوم النحر ، وهو قول ابن عباس رضى الله عنه ، وأما الأيام المعدودات ، فهى : الثلاثة بعد يوم النحر ـ فيوم النحر معلوم لا معدود ، ورابعه : معدود لا معلوم ، واليومان بعده : معلومان ومعدودان. فيذكروا اسم الله (عَلى ما رَزَقَهُمْ) أي : على ذبح ما رزقهم (مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ) ، وهى الإبل والبقر والغنم ، (فَكُلُوا مِنْها) ؛ من لحومها ، والأمر : للإباحة ، ولإزاحة ما كانت عليه الجاهلية من التحرج.
قال ابن جزى : ويستحب أن يأكل الأقل من الضحايا ، ويتصدق بالأكثر. ه. وقال النسفي : ويجوز الأكل من هدى التطوع والمتعة والقران ؛ لأنه دم نسك ؛ لأنه أشبه الأضحية ، ولا يجوز الأكل من بقية الهدايا. ه. وهو حنفى ، وفى مذهب مالك تفصيل يطول ذكره.
(وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ) ، وهو الذي أصابه البؤس ، أي : ضرر الحاجة ، وقيل : المتعفف ، وقيل : الذي يظهر عليه أثر الجوع ، (الْفَقِيرَ) : المحتاج الذي أضعفه الإعسار.
__________________
(١) أخرجه البخاري فى (الحج ، باب فضل الحج المبرور) ، ومسلم فى (الحج ، باب فى فضل الحج والعمرة ويوم عرفة) ، عن أبى هريرة.