(ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) أي : ليزيلوا عنهم أدرانهم ، قاله نفطويه. وقيل : قضاء التفث : قص الشارب والأظافر ، ونتف الإبط ، والاستحداد ، وسائر خصال الفطرة. وهذا بعد أن يحلوا من الحج ؛ التحلل الأصغر بالنحر. (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) أي : ما ينذرونه من البر فى الحج وغيره ، وقيل : مواجب حجهم من فعل أركانه ، (وَلْيَطَّوَّفُوا) طواف الإفاضة ، الذي هو ركن لا يجبر بالدم ، وبه يتم الحج ، ويكون (بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) : القديم ؛ لأنه أول بيت وضع للناس ، بناه آدم ثم جدّده إبراهيم ، أو الكريم ، ومنه : عتاق الخيل لكرائمها ، أو : لأنه عتق من الغرق ، أو من أيدى الجبابرة ، فكم من جبار رام هدمه فمنعه الله منه. وقيل : عتيق لم يملكه أحد قطّ ، وهو مطاف أهل الغبراء ، كما أن البيت المعمور مطاف أهل السماء.
(ذلِكَ) أي : الأمر ذلك ، وهذا من فضل الكلام ، كما يقدم الكاتب جملة من الكلام ، ثم يقول : هذا ، وقد كان كذا وكذا وكذا ، إذا أراد أن يخرج من كلام إلى كلام آخر ، وإن كان له تعلق بما قبله. والكلام هنا متصل بتعظيم حرمات البيت ، فقال : (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ) ، جمع حرمة ، وهو ما لا يحل هتكه من الشريعة ، فيدخل ما يتعلق بالحج دخولا أوليا ، وقيل : حرمات الله : البيت الحرام ، والمشعر الحرام ، والبلد الحرام ، والشهر الحرام. وقيل : المحافظة على الفرائض والسنن واجتناب المعاصي ، (فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ) أي : فالتعظيم خير له ثوابا (عِنْدَ رَبِّهِ) ، ومعنى التعظيم : العلم بوجوب مراعاتها ، والعمل بموجبه ، والاهتمام بشأنه ، والتأديب معه. والله تعالى أعلم.
الإشارة : قوله تعالى : (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) ، قال القشيري : أي : حوائجهم ، ويحققوا عهودهم ، ويوفوا نذورهم فيما عقدوه مع الله بقلوبهم ، فمن كان عقده التوبة ؛ فوفاؤه ألّا يرجع إلى العصيان ، ومن كان عهده اعتناق الطاعة ، فشرط وفائه ترك تقصيره ، ومن كان عهده ألّا يرجع إلى طلب مقام وتطلع إكرام ، فوفاؤه استقامته على الجملة ، التي دخل عليها فى هذه الطريق ، بألا يرجع إلى استعجال نصيب واقتضاء حظ. ه. قلت : ومن كان عقده الوصول إلى حضرة القدس ومحل الأنس ، فوفاؤه ألا يرجع عن صحبة من سقاه خمرة المحبة ، وحمله إلى درجة المعرفة. ثم قال : ومن عاهد الله بقلبه ، ثم لا يفى بذلك ، فهو من جملة قول الزور. ه. وهو أيضا ليس بمعظّم لحرمات الله ، حيث طلبها ثم تهاون وتركها. والله تعالى أعلم.