ـ عليه الصلاة والسلام ـ حين نسبوا ذلك له ، فسلّاه الله تعالى بقوله :
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٢) لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٤))
قال ابن عباس وغيره من المفسرين الأولين ـ رضى الله عنهم ـ : لما رأى النبي صلىاللهعليهوسلم مباعدة قومه وتوليهم ، وشق عليه ذلك تمنى أن يأتيه من الله تعالى ما يقارب بينه وبين قومه ، فجلس يوما فى جمع لهم ، فنزلت سوة النجم ، فقرأها عليهم ، فلما بلغ : (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) (١) ، ألقى الشيطان على لسانه (٢) : تلك الغرانيق العلى وإنّ شفاعتهم لترجى ه. قلت : بلى ، ألقى ذلك فى مسامعهم فقط ، ولم ينطق بذلك ـ عليه الصلاة والسلام ـ فلما سمعت ذلك قريش فرحوا ، ثم سجد النبي صلىاللهعليهوسلم فى آخر السورة ، وسجد المسلمون والمشركون ، إلا الوليد بن المغيرة ، رفع حفنة من التراب وسجد عليه ، فقالت قريش : ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر ، وقالوا : قد عرفنا أن الله يحيى ويميت ، ويخلق ويرزق ، ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده ، فإذا جعل محمد لها نصيبا فنحن معه ، فلما أمسى أتاه جبريل. فقال يا محمد ؛ ما صنعت فقد تلوت على الناس ما لم آتك به؟ فحزن النبي صلىاللهعليهوسلم حزنا شديدا ، فنزلت الآية ؛ تسلية له عليه الصلاة والسلام.
فقال جل جلاله : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ) ، يوحى إليه بشرع ، ويؤمر بالتبليغ ، (وَلا نَبِيٍ) يوحى إليه ، ولم يؤمر بالتبليغ ، فالرسول مكلف بغيره ، والنبي مقتصر على نفسه ، أو الرسول : من بعث بشرع جديد ، والنبي : من قرر شريعة سابقة ، ولذلك شبه صلىاللهعليهوسلم علماء أمته بهم ، فالنبى أعم من الرسول ، وقد سئل ـ عليه
__________________
(١) الآيتان : ١٩ ـ ٢٠ من سورة النجم.
(٢) النبي صلىاللهعليهوسلم معصوم من مثل ما جاء فى قصة الغرانيق ، ونسبة هذا إلى سيدنا ابن عباس وغيره ـ رضى الله عنهما ـ لا يصح. وقد رد المحققون من المحدثين والمفسرين ، القصة أصلا ، وبينوا زيفها ، ونقدوها سندا ومتنا. يقول القاضي عياض فى الشفاء (٢ / ٧٥٠) : يكفيك فى توهين هذا الحديث أنه لم يخرجه أحد من أهل الصحة ، ولا رواه ثقة بسند صحيح سليم متصل. وإنما أولع به وبمثله المفسرون. للمزيد راجع : تفسير القرطبي (١٢ / ٧٩) الآلوسى (١٧ / ١٧٥ ـ ١٨٤) وكتاب الشفاء للقاضى عياض (٢ / ٧٥٠) والإسرائيليات والموضوعات فى كتب التفسير : ص ٣١٤ وما بعدها.