المقربين ، (وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ). والمدخل الذي يرضونه : هو القرب الدائم ، والشهود المتصل. جعلنا الله من خواصهم بمنّه وكرمه.
ولمّا ذكر ثواب من هاجر وقتل فى سبيل الله ، أو مات ، أخبر أنه لا يدع نصرتهم فى الدنيا على من بغى عليهم ، فقال :
(ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٦٠) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٦١) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٦٢))
قلت : (ذلك) : خبر ، أي : الأمر ذلك. و (من عاقب) : شرط سدّ مسد جوابه ، أي : من عاقب بمثل ما عوقب به ينصره الله.
يقول الحق جل جلاله : (ذلِكَ) أي : الأمر ذلك ، كما أخبرتك فى بيان الفريقين ، ثم استأنف فقال : (وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ) أي : لم يزد فى القصاص على ما فعل به ، وسمى الابتداء عقابا ؛ للمشاكلة ولملابسته له ، من حيث إنه سبب له وهو مسبب عنه. (ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ) أي : من جازى بمثل ما فعل به من الظلم ، ثم ظلم ، بعد ذلك ، وبغى عليه بعد ذلك ، فحق على الله أن ينصره ؛ (إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ) يمحو آثار الذنوب ، (غَفُورٌ) يستر أنواع العيوب.
ومناسبة الوصفين لما قبلهما : أن المعاقب مأمور بالعفو من عند الله ، بقوله : (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) (١) ، (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (٢) ، فحين لم يفعل ذلك ، وانتصر لنفسه ، فكأنه مذنب ، فمعنى العفو فى حقه أنه لا يلزمه على ترك الفضل شىء ، وأنه ضامن لنصره فى الكرة الثانية ، إذا ترك العفو وانتقم من الباغي عليه ، وعرّض ، مع ذلك ، بما كان أولى به من العفو بذكر هاتين الصفتين.
__________________
(١) من الآية ٤٠ من سورة الشورى.
(٢) الآية ٤٣ من سورة الشورى.