السّباق ، السّباق ، قولا وفعلا |
|
حذّر النّفس حسرة المسبوق |
وكان بعض العباد حفر قبرا فى بيته ، فإذا صلى العشاء دخل فيه ، وقرأ : (قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً ....) الآية ، فيقول لنفسه : ستطلبين الرجعة ولا تمكنين منها ، وأنت اليوم متمكنة من الرجوع ، قومى إلى خدمة مولاك ، قبل أن يحال بينك وبينها ، فيبيت قائما يصلى. وهكذا شأن أهل اليقظة ؛ يقدمون الندم والجد قبل فوات إبّانه. أعاننا الله على اغتنام طاعته ، وما يقربنا إلى حضرته. آمين.
ثم ذكر أهوال ذلك اليوم الموعود ، فقال :
(فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (١٠١) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٢) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (١٠٣) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ (١٠٤) أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (١٠٥))
يقول الحق جل جلاله : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ) لقيام الساعة ، وهى نفخة البعث والنشور ، وقيل : فإذا نفخ فى الأجساد أرواحها ، على أن الصور جمع صورة ، ويؤيده القراءة بفتح الواو مع الضم ، وبه مع كسر الصاد. (فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ) تنفعهم ، لزوال التراحم والتعاطف بينهم ؛ من فرط الحيرة واستيلاء الدهشة ، بحيث يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه. قال ابن عباس : (لا يفتخرون بالأنساب والأحساب فى الآخرة ، كما كانوا يفتخرون فى الدنيا» (وَلا يَتَساءَلُونَ) لا يسأل بعضهم بعضا ؛ لا شتغال كل منهم بنفسه ، ولا يناقضه قوله تعالى : (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) (١) ؛ لأن هذا ـ أي : سكوتهم ـ عند ابتداء النفخة الثانية ، وذلك بعدها ؛ لأن يوم القيامة ألوان ، تارة يبهتون ولا يتساءلون ، وتارة يفيقون ، فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون.
وقال ابن عباس : إنما عنى النفخة الأولى ، حين يصعق الناس ، (فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون) ، (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ) (٢) ، (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ). نقله الثعلبي.
__________________
(١) الآية ٢٧ من سورة الصافات.
(٢) الآية ٦٨ من سورة الزمر.