أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٤))
قلت : (رَواسِيَ) : جمع راسية ، من رسى الشيء : ثبت ، و (جَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ) من خفض عطف على (أَعْنابٍ) ، ومن رفع عطف على (جَنَّاتٌ). و (صِنْوانٌ) : نعت تابع ، و (غَيْرُ) : عطف عليه.
يقول الحق جل جلاله : (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ) ؛ بسطها طولا وعرضا ؛ لتثبت عليها الأقدام وتتقلب عليها الحيوان والأنام ، (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ) : جبالا ثوابت لتستقر وتثبت ، فلا تميد كالسفينة ، (وَ) جعل فيها (أَنْهاراً) مطردة دائمة الجري ، من غير نفاد ولا فتور. ضمها إلى الجبال ؛ لأنها أسباب لتولدها فى العادة. (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) أي : وجعل فيها صنفين اثنين من كل الثمرات ؛ فكل ثمرة فيها صنفان ؛ أحمر وأسود ، أو حلو وحامض ، قال ابن جزى : فإن قيل : تقتضى الآية أنه تعالى خلق من كل ثمرة صنفين ، وقد خلق من كثير من الثمرات أصنافا كثيرة؟ فالجواب : أن ذلك زيادة فى الاعتبار ، وأعظم فى الدلالة على القدرة بذكر الاثنين ؛ لأن دلالة غيرهما من باب أولى. ه.
(يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) ، أي : يجعل الليل غشاء على النهار ولباسا له ، فيصير الجو مظلما بعد ما كان مضيئا. (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) ؛ دلائل وجوده وباهر قدرته (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) فيها ؛ فإن وجودها وتخصيصها فى هذا الشكل العجيب ، دليل على وجود صانع حكيم ، دبر أمرها ، وهيأ أسبابها.
(وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ) ؛ قريب بعضها من بعض ، مع اختلاف أوصافها ، بعضها طيبة وبعضها سبخة ، وبعضها رخوة وبعضها صلبة ، وبعضها يصلح للزرع دون الشجر ، وبعضها بالعكس ، وبعضها معادن مختلفة. ولو لا تخصيص قادر مخصص لتلك الأفعال ، على وجه دون وجه ، لم يكن الحكم كذلك ؛ لاشتراك تلك القطع فى الطبيعة الأرضية ، وما يلزمها ويعرض لها بتوسط ما يعرض من الأسباب السماوية ، من حيث إنها متضامة متشاركة فى السبب والأوضاع. قاله البيضاوي. (وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ) ؛ أي : وفى الأرض أيضا بساتين فيها أنواع من الأعناب والزروع ، والنخيل ، من صفة تلك النخيل : (صِنْوانٌ) أي : نخلات كثيرة متفرعة من أصل واحد ، (وَغَيْرُ صِنْوانٍ) أي : غير متفرعة ، بل كل نخلة منفردة بأصل واحد ، (يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ. وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) أي : فى الثمر المأكول ؛ قدرا وشكلا ، وطعما ، ورائحة ولونا ،