وعبّر فى الآية عن النار ؛ جملة ، بجهنم ؛ إذ هى أشهر منازلها وأولها ، وهو موضع العصاة الذين لا يخلدون ، ولهذا روى أن جهنم تخرب وتبلى ، يعنى : حين يخرج العصاة منها. وقيل : أبواب الطبقات السبع كلها من جهنم ، ثم ينزل من كل باب إلى طبقته التي تفضى إليه. قاله ابن عطية.
قال البيضاوي : ولعل تخصيص العدد بالسبعة ، لانحصار مجامع المهلكات فى الركون إلى المحسوسات ، ومتابعة القوة الشهوية والغضبية. ه. فالقوة الشهوية محلها ست وهى : السمع والبصر والشم واللسان والبطن والفرج. والقوة الغضبية فى البطش باليد والرجل ، فالمعاصى المهلكات جلها من هذه السبع ، وملكها القلب ، إذا صلح صلحت ، وإذا فسد فسدت. كما فى الحديث. ثم قال البيضاوي : أو لأن أهلها فرق سبع. ه. يعنى : الفرق التي تقدمت للطبقات ، قال تعالى : (لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ) أي : من الأتباع (جُزْءٌ مَقْسُومٌ) أفرد له ، لا يدخل إلا منه ، ولا يسكن إلا فى طبقته. وقد تقدم أهل كل طبقة ، من عصاة الموحدين إلى المنافقين.
ثم شفع بضدهم ، على عادته سبحانه وتعالى فى كتابه ، فقال : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ) للكفر والفواحش ، أو لمتابعة إبليس ، (فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) ، لكل واحد جنة وعين ، أو لكل واحد جنات وعيون ، يقال لهم عند دخولهم : (ادْخُلُوها) ، وقرأ رويس عن يعقوب : «أدخلوها» ؛ بضم الهمزة وكسر الخاء ، على البناء للمفعول ، فلا يكسر حينئذ التنوين ، أي : تقول الملائكة لهم : ادخلوها ، أو قد أدخلهم الله إياها. (بِسَلامٍ) أي : سالمين من المكاره والآلام ، أو مسلما عليكم بالتحية والإكرام ، (آمِنِينَ) من الآفة والزوال.
(وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ) أي : من حقد وعداوة كانت فى الدنيا ، وعن على رضي الله عنه : (أرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير منهم) ، أو من التحاسد على درجات ومراتب القرب.
قلت : أما التحاسد على مراتب القرب فلا يكون ؛ لاستغناء كل أحد بما لديه ، وأما التأسف والندم على فوات ذلك بالتفريط فى الدنيا فيحصل ، ففى الحديث : «ليس يتحسّر أهل الجنّة على شىء إلّا على ساعة مرّت لهم لم يذكروا الله فيها» (١). ولا يحصل التحسر حتى يرى ما فاته باعتبار وقوفه. قال ابن عطية : ذكر هنا نزع الغل من قلوب أهل الجنة ، ولم يذكر له موطنا ، وجاء فى بعض الحديث أن ذلك على الصراط ، وجاء فى بعضها : أن ذلك على أبواب الجنة ، وفى بعضها : أن الغل يبقى على أبوابها كمعاطن الإبل. ثم قال : وجاء فى بعض الأحاديث : أن نزع الغل إنما يكون بعد استقرارهم فى الجنة. والذي يقال فى هذا : أن الله ينزعه فى موطن من قوم وفى موطن من آخرين. ه.
__________________
(١) أخرجه البيهقي فى شعب الإيمان (باب فى محبة الله عزوجل ٥١٢) من حديث معاذ بن جبل ، وعزاه السيوطي فى الجامع الصغير (٢ / ٤٧١) للطبرانى والبيهقي فى الشعب ، ورمز له بالحسن.