المسلمين كانت بينه وبينه رضاعة فقال : يا نبيّ الله ، هذا فلان قد أقبل تائبا نادما. فأعرض عنه نبيّ الله. فلمّا سمع به الأنصاريّ أقبل متقلّدا سيفه ، فطاف به ساعة ، ثمّ إنّ نبيّ الله قدّم يده للمبايعة فقال : أما والله لقد تلوّمتك (١) هذا اليوم لتوفي فيه نذرك. فقال : يا نبيّ الله ، هيبتك والله منعتني ، فلولا أو مضت إليّ (٢). قال : إنّه لا ينبغي لنبيّ أن يومض ، إنّما بعثوا بأمر علانية ليس فيه دنس ولا رمس (٣).
قوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا) : أي إلى المدينة (وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) : يعني المهاجرين (وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا) : يعني الأنصار آووا المهاجرين لأنّهم أهل الدار ، ونصروا الله ورسوله. (أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) : يعني المهاجرين والأنصار.
ذكروا أنّ المهاجرين قالوا : يا رسول الله ، ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن بذلا في كثير ، ولا أحسن مواساة في قليل ، قد كفونا المؤونة ، وأشركونا في المهنإ ؛ قد خشينا أن يذهبوا بالأجر كلّه. قال : كلّا ما دعوتم الله لهم وأثنيتم عليهم.
قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا) : هذا في الميراث.
قال بعضهم : نزلت هذه الآية فتوارث المسلمون زمانا بالهجرة. وكان الأعرابيّ المسلم لا يرث من قريبه المهاجر شيئا. [ثمّ نسخ ذلك] (٤) في سورة الأحزاب في هذه الآية : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ) [الأحزاب : ٦]
__________________
(١) تلوّم في الأمر : تمكّث وانتظر.
(٢) أومض ، أي : أشار إليه إشارة خفيّة ، وهو من أومض البرق ، ومنه أو مضت المرأة إذا سارقت النظر.
(٣) الرمس : الصوت الخفيّ. ورمس الخبر والحديث أخفاه وكتمه. وقد روى الطبريّ في تفسيره ، ج ١٤ ص ٧٦ هذا الخبر عن قتادة في قصّة عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، ولم ترد فيه الجملة الأخيرة.
(٤) جاء في المخطوطات الأربع : «حتّى نزلت هذه الآية في سورة الأحزاب» ، وأثبتّ ما ورد في ز ورقة ١٢٢ ، وفي تفسير الطبريّ ، ج ١٤ ، ص ٨٠.