وقال الكلبيّ : إنّ أناسا من المشركين ممّن لم يكن لهم عهد ولم يوافوا الموسم ذلك العام بلغهم أنّ رسول الله أمر بقتال المشركين ممّن لا عهد له إذا انسلخ المحرم ، فقدموا على رسول الله بالمدينة ليجدّدوا حلفا ، وذلك بعد ما انسلخ المحرّم ، فلم يصالحهم رسول الله إلّا على الإسلام وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، فأبوا ، فخلّى رسول الله سبيلهم حتّى بلغوا مأمنهم. وكانوا نصارى من بني قيس بن ثعلبة ، فلحقوا باليمامة حتّى أسلم الناس ، فمنهم من أسلم ، ومنهم من أقام على نصرانيّته.
قوله : (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) : [أي ليس العهد إلّا لهؤلاء الذين لم ينكثوا] (١).
وقال مجاهد : هم قوم كان بينهم وبين النبيّ عهد ومدّة ، فأمره أن يوفي لهم بعهدهم ما أوفوا ، ولا ينبغي للمشركين أن يقربوا المسجد الحرام.
قال : (فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ) : أي على العهد (فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) : عليه (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (٧).
قال : (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ) : أي : كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله وأن يظهروا عليكم (لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً) : قال بعضهم : الإلّ : الجوار ، والذمّة : العهد.
وقال مجاهد : (إِلًّا وَلا ذِمَّةً) : عهدا ولا ذمّة. وقال الكلبيّ : الإلّ : الحلف ، والذمّة : العهد. وقال بعضهم : الإلّ : القرابة ، والذمّة : العهد.
قوله : (يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ) : وهم المنافقون في تفسير الحسن ؛ وهو ما أقرّوا به من التوحيد فأصابوا به الغنائم والحقوق ، وحقنوا دماءهم وأموالهم وذراريهم (وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ) (٨) : وهذا فسق نفاق ، وهو دون فسق الشرك. (اشْتَرَوْا
__________________
(١) زيادة من ز ، ورقة ١٢٣.