وتوحيدهم. وكقوله : (فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ) (٨٨) [البقرة : ٨٨]. يعني بهذا كلّه إقرارهم وتوحيدهم ، فهو قليل إذ لم يستكملوا جميع فرائض الإيمان ، فيكمل لهم الإيمان.
قال : (وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ) (٥٤) : أي الإنفاق في سبيل الله وما فرض الله عليهم. وفي هذه الآي كلّها حجّة على أهل الفراق أن لو كان المنافقون مشركين لم يفرض عليهم الجهاد الذي لم يقرّوا به ولا نفقة (١).
قوله : (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) : قال الحسن : ليعذّبهم بالزكاة في الحياة الدنيا.
وفي تفسير عمرو عن الحسن : يعني أنّهم ينفقون أموالهم ، ويشخصون أبدانهم ، ويقتلون أحبّاءهم وأهل مودّتهم من المشركين مع أعدائهم من المؤمنين ، لأنّهم يسرّون لهم العداوة. وهو كقوله : (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ) من العداوة والبغضاء (أَكْبَرُ) [آل عمران : ١١٨] أي أعظم من الذي بدا من أفواههم.
وقال الكلبيّ : (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ ، إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) يقول : فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا ، إنّما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة. فيها تقديم وتأخير. وهذا من خفيّ القرآن.
قوله : (وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ) : أي تموت أنفسهم (وَهُمْ كافِرُونَ) (٥٥) : أي كفر النفاق.
قوله : (وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ) : فيما أظهروا لكم من الإقرار بدينكم ، والادّعاء لملّتكم (وَما هُمْ مِنْكُمْ) : إذ لم يعملوا بأعمالكم ويوفوا بوفائكم (وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ) (٥٦) : أي يخافون على دمائهم إن هم أظهروا نفاقهم وباينوا به.
(لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً) : يلجأون إليه ، أي حصونا يدخلونها (أَوْ مَغاراتٍ) : أي
__________________
(١) وهذا من كلام الشيخ هود الهوّاريّ ولا شكّ. فهو كلّما وجد فرصة لإثبات رأيه والردّ على شبهة من شبه الإرجاء إلّا وانبرى لتقرير ما يراه صوابا.