(قُلِ اسْتَهْزِؤُا) : أي بمحمّد وأصحابه ، وهو وعيد هوله شديد ، كقوله : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الكهف : ٢٩] وهو وعيد. (إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ) (٦٤) : أي ما أكنتم في قلوبكم من النفاق فمخرجه ، فذاكره عنكم. وأمّا قوله : (اسْتَهْزِؤُا) فهو جواب من الله لقولهم. (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ) يعني كفّار المشركين (قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ) أي في المودّة (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) (١٤) [البقرة : ١٤ ـ ١٥]. أي إنّما نحن مخادعون. والاستهزاء في هذا الموضع إنّما هو الخداع. ألا تراه يردّ عليهم جوابهم : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) أي يخدعهم في الآخرة كما خدعوه في الدنيا.
وقد أوضح ما تأوّلنا عليه الآية في النساء فقال : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ) [النساء : ١٤٢] يخادعونه بما أظهروا من التوحيد والإقرار ، وليس من شأنهم الوفاء بالأعمال. وهو خادعهم إذ جعل مساقهم مع المؤمنين. وبيان خدعه إيّاهم في سورة الحديد. وسنذكر ذلك أيضا في سورة الحديد إذا أتينا عليه ، كيف خدعهم الله عند ضرب السور بينهم وبين المؤمنين إذ طمعوا أن يكونوا من المؤمنين ، إذ سيقوا في زمرتهم بالنور القليل الذي كان معهم ، وبه ناكحوا المسلمين ووارثوهم. فطفئ نور المنافقين ، ومضى نور المؤمنين من بين أيديهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم. وسنأتي على بقيّة ما بقي من هذا في سورة الحديد إذا نحن بلغناها إن شاء الله.
قوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ) (٦٥).
قال الكلبيّ : بلغنا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين رجع من تبوك ، بينما هو يسير إذا برهط أربعة يسيرون بين يديه وهم يضحكون. فنزل جبريل على النبيّ عليهالسلام فأخبره أنّهم يستهزئون بالله تعالى ورسوله وكتابه. فبعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم عمّار بن ياسر فقال : أدركهم قبل أن يحترقوا واسألهم ممّا يضحكون ، فإنّهم سيقولون : ممّا يخوض فيه الركب إذا ساروا (١).
__________________
(١) روى ابن هشام هذا الخبر عن ابن إسحاق بتفصيل في سيرته ، ج ٤ ص ٥٢٤ ـ ٥٢٩ ، وأورده الواقديّ ـ