فلحقهم. فقال لهم : ممّ تضحكون وما تقولون؟ فقالوا : ممّا يخوض فيه الركب إذا ساروا ، فقال عمار : صدق الله وبلّغ الرسول ، احترقتم لعنكم الله. وكان يسايرهم رجل لم ينههم ولم يمالئهم. فأقبل ذلك الرجل إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله ، والذي أنزل عليك الكتاب ما مالأتهم ولا نهيتهم. وجاءوا إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم يعتذرون فأنزل الله :
(لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) : فأخبر أنّ لهم إيمانا كفروا بعده ، وأنّ المشركين لم يتطاعموا (١) إيمانا قطّ فيكفروا بعد إيمانهم.
(إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ) (٦٦) : أي جرم نفاق ، لأنّه جرم دون جرم ، وجرم فوق جرم ، فيرجى أن يكون العفو من الله لمن لم يمالئهم ولم ينههم (٢). وقال بعضهم : بينما رسول الله صلىاللهعليهوسلم في بعض أسفاره ، وبين يديه ناس من المنافقين ، فقالوا : أيرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشام وحصونها؟ هيهات ، هيهات من المنافقين ، فقالوا : أيرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشام وحصونها؟ هيهات ، هيهات له من ذلك. فأطلع الله نبيّه على ذلك فقال : احبسوا عليّ هذا الركب [فأتاهم] (٣) فقال : قلتم كذا وكذا. قالوا : يا رسول الله ، إنّما كنّا نخوض ونلعب.
قوله : (قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) أي : قد نافقتم بعد إقراركم وتوحيدكم ، يعني أهل هذا الكلام الذي تكلّموا به ، وهو كفر نفاق. وهو كفر المحدثين من أهل الإقرار بالله والنبيّ والكتاب.
__________________
ـ كذلك في المغازي ، ج ٣ ص ١٠٠٤ ـ ١٠٠٥.
(١) كذا في المخطوطات بصيغة التفاعل. ففي د : «تطاعموا» ، وفي ق وع : «تطامعوا» ، ويبدو أنّ المعنى : لم يذوقوا للإيمان طعما ، ولكنّي لم أجد هذا المعنى بهذه الصيغة في كتب اللغة.
(٢) انظر في معاني القرآن للفرّاء ، ج ١ ص ٤٤٥ معنى العفو عن الطائفة في هذه الآية فقد جاء في ذلك ما يلي : «والطائفة واحد واثنان ، وإنّما نزل في ثلاثة نفر ؛ استهزأ رجلان برسول الله صلىاللهعليهوسلم والقرآن ، وضحك إليهما آخر ، فنزل : (إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ) يعني الواحد الضاحك (نُعَذِّبْ طائِفَةً) يعني المستهزئين».
(٣) زيادة من تفسير الطبريّ ، ج ١٤ ص ٣٣٤ حيث جاء الخبر مرويّا بسند عن قتادة. وانظر في هذه الآية الواحدي ، أسباب النزول ، ص ٢٥٠ ـ ٢٥١.