ذكروا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال في قوله : (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى) قال : هو مسجدي هذا ، وفي ذلكم خير (١) ، يعني مسجد قباء.
وبلغنا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم دعا المنافقين الذين بنوا ذلك المسجد فقال : ما حملكم على بناء هذا المسجد؟ فحلفوا له بالله : (إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ).
قوله : (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (١٠٩) : يقول : لا يكونون بالظلم مهتدين عند الله ، وهو ظلم النفاق ، وهو ظلم دون ظلم ، وظلم فوق ظلم. أي إنّ الذي أسّس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير من الآخر. قال بعضهم : ما تناهى أن وقع في النار. وذكر لنا أنّهم حفروا فيه بقعه فريء منها الدخان.
وقال الحسن : شبّه الله أعمال المنافقين مثل إنسان بنى على الرمل فانهار ، فلم يثبت البناء عليه. وكذلك أعمال المنافقين لا تثبت عند الله لأنّها ليس لها أصل تثبت به ، فانهارت لهم أعمالهم في نار جهنّم.
وبعضهم يقرأها بالنصب : (أفمنْ أسس بنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ الله وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ) ، بالنصب جميعا ، (عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ).
__________________
(١) كذا في المخطوطات : «وفي ذلكم خير». وفي تفسير الطبريّ : «وفي كلّ خير». والحديث أخرجه أحمد في مسنده كما أخرجه الطبريّ في تفسيره ، ج ١٤ ص ٤٨١ عن أبي سعيد الخدريّ. ورجّح الطبريّ أنّ المسجد الذي أسّس على التقوى هو مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالمدينة. ولكن إذا ثبت الحديث الذي رواه الطبريّ نفسه في ص ٤٨٨ ، وهو أنّ الرسول صلىاللهعليهوسلم سئل عن الذين قال الله فيهم : (فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا) فأجاب بقوله : نعم الرجال منهم عويم بن ساعدة ، أقول : إذا ثبت هذا الحديث ، وليس هناك ما يقدح في صحّته ، أمكن أن نرجّح أنّ المسجد الذي أسّس على التقوى هو مسجد قباء ، لأنّ عويم بن ساعدة هو ، بدون خلاف ، من بني عمرو بن عوف ، أهل قباء. وممّا يقوّي هذا الترجيح ما رواه ابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها ، باب في الاستنجاء ، (رقم ٣٥٧) عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : نزلت في أهل قباء (فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ). قال : كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه الآية. وانظر تفسير القرطبيّ ، ج ٨ ص ٢٥٩ ـ ٢٦٠.