الذي كان تخلّف عليه وهو مونع [فجعله صدقة في سبيل الله]. وأمّا الآخر فركب المفاوز حتّى لحق نبيّ الله ورجلاه تسيلان دما.
قوله : (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا) : أي وتاب على الثلاثة الذين خلّفوا عن غزوة تبوك : كعب بن مالك ، وهلال بن أميّة ومرارة بن ربيعة ، وهم الذين أرجئوا في الآية الأولى حيث يقول : (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ) في تفسير مجاهد. وهم عند الحسن آخرون غير المرجين.
قال : (حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ) : أي بسعتها. (وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا) : أي وعلموا (أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (١١٨).
بلغنا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان أمر الناس ألّا يكلّموهم ولا يجالسوهم ، ثمّ أرسل إلى أهلهم ألّا يؤووهم ولا يكلّموهم. فلمّا رأوا ذلك ندموا وجاءوا فأوثقوا أنفسهم إلى سواري المسجد ، حتّى أنزل الله توبتهم في هذه الآية.
ذكروا عن كعب بن مالك أنّه لمّا تيب عليه جاء بماله كلّه إلى النبيّ صدقة ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أمسك عليك الشطر فهو خير لك (١).
قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (١١٩). قال الكلبيّ : الذين آمنوا من أهل الكتاب ، أمرهم أن يكونوا مع الصادقين ، وهم المهاجرون والأنصار. وقال بعضهم : الصدق في النيّة ، في السرّ والعلانية. وقال بعضهم : (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) : صدقوا بقولهم فهاجروا ، فكونوا معهم ، أي : فهاجروا إلى المدينة (٢).
__________________
(١) أخرج هذه القصّة الطريفة البخاريّ في كتاب التفسير ، في أواخر سورة التوبة ، وفيه : قال مالك في آخر حديثه : «إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله ورسوله. فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : أمسك بعض مالك فهو خير لك». واقرأ قصّة المخلّفين مفصّلة في كتب التفسير والحديث والسيرة ففيها مواعظ وعبر وذكرى.
(٢) لا أرى وجها لتخصيص الكلبيّ مؤمني أهل الكتاب بالخطاب ، ولا لما ذهب إليه بعضهم من قصر معنى ـ