قوله : (فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) (٣٢) : أي فكيف تصرف عقولكم فتعبدون غيره ، وأنتم مقرّون أنّه خالق هذه الأشياء.
قوله : (كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٣٣) : يعني الذين يلقون الله بشركهم. وهذا فسق شرك ، وهو فسق فوق فسق ، وفسق دون فسق. قوله : (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) : وهذا على الاستفهام. يعني هل من هذه الأوثان من يخلق ثمّ يميت ثمّ يحيي؟ أي : إنّها لا تقدر على ذلك ؛ إنّما هي أموات غير أحياء. ثمّ قال :
(قُلْ) : يا محمّد (اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) : أي الله يبدأ الخلق في الدنيا ، ثمّ يعيده يوم القيامة. (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) (٣٤) : أي عنه. كقوله : (يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) (٩) [الذاريات : ٩] أي : يصرف عنه من صرف ، ويصدّ عنه من صدّ ، وهو واحد.
قوله : (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِ) : أي إلى الدين والهدى ، أي : أنّها لا تفعل ولا تعقل. (قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى) : على الاستفهام. أي : فالذي يهدي للحقّ أحقّ أن يتّبع ، وهو الله الذي يهدي إلى الحقّ.
وفي تفسير مجاهد : (لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى) أي : الأوثان ؛ الله يهدي منها ومن غيرها ما يشاء (١).
قال : (فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (٣٥) : أي إنّكم تقرّون بأنّ الله هو الخالق وأنّه الرازق ، ثمّ تعبدون الأوثان من دونه.
قوله : (وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا) : أي يعبدون الأوثان يتقرّبون بها إلى الله ـ زعموا ـ ليصلح لهم معايشهم في الدنيا ، وما يعملون ذلك إلّا بالظنّ. (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي
__________________
(١) كذا في المخطوطات ، وفي تفسير الطبري ج ١٥ ص ٨٨ : «الله يهدي منها ومن غيرها من شاء لما شاء».