وقال بعضهم : (أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ) وذلك أخفى ما يكون فيه ابن آدم إذا حنى صدره واستغشى ثوبه ، وأهمّ همّا في نفسه ، فإنّ الله لا يخفى ذلك عليه.
قوله : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها) كان الحسن يقول في قوله : (فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) [الأنعام : ٩٨] : مستقرّ في أجله إلى يوم يموت ، ومستودع في قبره إلى يوم يبعث. كأنّه يريد هذه الآية : (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) (٣٦) [البقرة : ٣٦].
وقال الكلبيّ : مستقرّها : حيث تأوي بالليل.
وذكر عكرمة عن ابن عبّاس أنّه قال : المستقرّ : الرحم ، والمستودع : الصّلب ؛ يعني مستقرّها في الرحم قبل أن تخرج إلى الدنيا ، ومستودعها في الصلب قبل أن تقع إلى الرحم.
وبلغنا عن عبد الله بن مسعود أنّه قال : مستقرّها الأرحام ، ومستودعها الأرض التي تموت فيها (١).
قوله : (كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (٦) : يعني عند الله ، وقد فسّرناه قبل هذا الموضع (٢).
قوله : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) : يعني : وما بينهما. وقد فسّرنا ذلك في غير هذا الموضع (٣). وهذا من الإضمار.
قوله : (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) : قال مجاهد : قبل أن يخلق شيئا.
(لِيَبْلُوَكُمْ) : أي ليختبركم بالأمر والنهي. (أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) : أي فيما ابتلاكم.
__________________
(١) روى ابن سلّام هنا بسند إلى ابن مسعود خبرا رأيت من المناسب إثباته هنا كما ورد في ز ، ورقة ١٤٣ : «عن ابن مسعود قال : إذا أراد الله عزوجل أن يقبض عبدا بأرض جعل له بها حاجة ، فإذا كان يوم القيامة قالت الأرض : ربّ هذا ما استودعتني».
(٢) انظر ما سلف ، ج ١ ، تفسير الآية ٥٩ من سورة الأنعام.
(٣) انظر ما مضى في هذا الجزء ، تفسير الآية ٣ من سورة يونس.