(قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ) : على الاستفهام (قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (٩٠).
(قالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا) : وهذا منهم قسم يقسمون به (وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ) (٩١) : أي وقد كنّا خاطئين. من الخطيئة التي انتهكوها منه ومن أبيهم.
(قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) : [أي : لا تخليط ولا شغب ولا إفساد ولا معاقبة] (١) قد غفرت لكم ذلك. (يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (٩٢). وهكذا يكون العفو الكريم ، والصفح الجميل. وفيما يؤثر عن النبيّ عليهالسلام إذ أظهره الله على مكّة ، وأظفره بها أنّه قام على باب الكعبة (٢) ، فأخذ بعضادتي الباب ، وقد اجتمعت قريش أجمعها ، فحمد الله وأثنى عليه ؛ وصلّى على نفسه وعلى الأنبياء ، ثمّ قال : ((يا معشر قريش ، ما تقولون وما تظنون؟)) قالوا : نقول خيرا ونظنّ خيرا ، أخ كريم وابن أخ كريم ، وقد قدرت ، فما تقول؟ قال : (أقول كما قال أخي يوسف صلّى الله عليه وعلى جميع الأنبياء : (لا تثريب عليكم اليوم) ، وأنتم اذهبوا فانتم عتقاء الله وطلقاؤه)) (٣). فأطلقهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وعفا عنهم ، ولم يثرّب عليهم شيئا ممّا فعلوه به ، كما فعل يوسف بإخوته إذ قال : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) أي : أرحم من رحم. دعا لهم. قوله : (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً) : [أي : يرجع بصيرا] (٤) وإنّما بعث بقميصه إلى أبيه بأمر الله ، ولو لا أنّ ذلك علمه من قبل الله ، لأنّه كان نبيّا مرسلا ، لم يكن له بذلك علم أنّه يرجع إليه بصره إذا ألقي القميص على وجهه.
__________________
(١) زيادة من مجاز أبي عبيدة ، ج ١ ص ٣١٨. وقال القرطبيّ في تفسيره ، ج ٥ ص ٢٥٧ : «أي : لا تعيير ولا توبيخ ولا لوم عليكم اليوم».
(٢) في المخطوطات : «على باب المسجد» والصواب ما أثبتّه «على باب الكعبة» كما ورد الخبر في كتب السيرة والتاريخ.
(٣) أخرجه البيهقيّ في الدلائل عن أبي هريرة ، كما ذكره السيوطيّ في الدرّ المنثور ، ج ٤ ص ١٣٤. واقرأ الخبر مفصّلا في سيرة ابن هشام مثلا ، ج ٣ ص ٤١١ ـ ٤١٢.
(٤) زيادة من ز ، ورقة ١٥٧. وقال أبو عبيدة : «أي يعد بصيرا ، أي يعد مبصرا».