قوله : (وَاسْتَفْتَحُوا) : يعني الرسل كلّهم في تفسير مجاهد ؛ دعوا على قومهم فاستجاب لهم.
وفي تفسير الكلبيّ : لمّا دعا عليهم الرسل قال قومهم : اللهمّ إن كان رسلنا صادقين فيما يقولون فأهلكنا ، وإن كانوا كاذبين فأهلكهم.
قال بعضهم : استنصرت الرسل على قومها حين استيقنوا أنّهم لا يؤمنون.
قال الله : (وَخابَ) : أي وخسر (كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) (١٥) : وهو المشرك. قال مجاهد : معاند للحقّ مجتنبه.
قوله : (مِنْ وَرائِهِ) : أي من بعد هذا العذاب الذي كان في الدنيا (١). (جَهَنَّمُ) : أي عذاب جهنّم (وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ) (١٦) : والصديد : غسالة أهل النار ، أي : ما يسيل من جلودهم من القيح والدم. وقال بعضهم : هو ما يسيل من بين جلده ولحمه.
(يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ) : أي من كراهيّته له ؛ وهو يسيغه ، لا بدّ له منه ، فتنقطع أمعاؤه. (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ) : وهي النار ، لشدّة ما هم فيه ، ولكنّ الله عزوجل قضى عليهم ألّا يموتوا. هذا تفسير الحسن. وبعضهم يقول : حيّات وعقارب تنهشه من كلّ ناحية. (وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ) (١٧) : كقوله : (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً) (٣٠) [النبأ : ٣٠].
ذكروا أنّ رجلا من أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : لمّا ذكر الله النار قلت : ابن آدم ضعيف ، فإنّما تكفيه لذعة من النار حتّى يقضي (٢). ثمّ أنزل الله : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً
__________________
(١) قال أبو عبيدة في المجاز ، ج ١ ص ٣٣٧ : «(من وّرائه جهنّم) مجازه : قدّامه وأمامه ، يقال : إنّ الموت من ورائك ، أي : قدّامك. وقال :
أتوعدني وراء بني رياح |
|
كذبت لتقصرنّ يداك دوني |
أي : قدّام بني رياح وأمامهم.
(٢) في المخطوطات : «تكفيه لديغة من النار حتّى تطفي» وهو خطأ ، وفيه تصحيف صوابه ما أثبتّ : «لذعة ... ـ