(مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ) : قال بعضهم : رافعي رؤوسهم شاخصة أبصارهم. (لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ) : أي يديمون النظر. (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ) (٤٣) : قال : انتزعت القلوب فغصّت بها الحناجر ، فلا هي تخرج من أفواههم ولا تعود إلى مكانها.
وذكروا عن أبي هريرة قال : يحشر الناس ثلاث أمم : أمّة على الإبل ، وأمّة على أقدامهم ، وأمّة على وجوههم. قال : قيل : يا رسول الله ، كيف يمشي على وجهه؟ قال : إنّ الذي أمشاه على قدميه قادر أن يمشيه على وجهه)) (١).
قوله : (وَأَنْذِرِ النَّاسَ) : أي في الدنيا (يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ) : أي أنذرهم اليوم ذلك اليوم (فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا) : أي الذين أشركوا والذين نافقوا (رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ) : سألوا الرجعة إلى الدنيا حتّى يؤمنوا ويجيبوا الدعوة ويتّبعوا الرسل ويكملوا الفرائض. قال الله : (أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ) : أي في الدنيا (ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ) (٤٤) : أي من الدنيا إلى الآخرة ، يعني المشركين خاصّة. ثمّ انقطع الكلام.
ثمّ قال للذين بعث فيهم محمّد (وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) : أي : بشركهم ، يعني من أهلك من الأمم السالفة ، فخلفتموهم بعدهم في مساكنهم (وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ) : أي كيف أهلكناهم. أي : إنّكم لتمرّون بمنازلهم ومساكنهم وترون آثارهم. (وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ) (٤٥) : قال مجاهد : الأشباه. وقال الحسن : يعني أنّكم إن كفرتم أهلكناكم كما أهلكناهم ؛ يخوّفهم بذلك.
قال : (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ) : أي : محفوظ لهم حتّى يجازيهم به. (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ) (٤٦).
قال الكلبيّ : إن نمروذ الذي بنى الصرح ببابل أراد أن يعلم علم السماء ، فعمد إلى
__________________
(١) حديث متّفق عليه. أخرجه البخاريّ في كتاب الرقاق ، باب كيف الحشر. وأخرجه مسلم في كتاب صفات المنافقين وأحكامهم. باب يحشر الكافر على وجهه (رقم ٢٨٠٦) ، كلاهما يرويه عن أنس بن مالك.