الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) : أي القران (لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً) (٧٣) : أي : لو فعلت.
وذلك أنّ المشركين خلوا بنبيّ الله عليهالسلام بمكّة ليلة حتّى الصباح فقالوا : يا محمّد ، إنّ الذي جئت به لم يجئ به أحد من قومك ، ورفقوا به ، وقالوا له : كفّ عن شتم آلهتنا وذمّها وانظر في هذا الأمر ، فإنّ هذا لو كان حقّا لكان فلان أحقّ به منك ، وفلان أحقّ به منك. فأنزل الله : (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ...) الآية.
قوله : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ) : أي بالنبوّة ، أي : عصمناك بها (لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (٧٤) إِذاً لَأَذَقْناكَ) لو فعلت (ضِعْفَ الْحَياةِ) : أي عذاب الدنيا (وَضِعْفَ الْمَماتِ) : أي عذاب الآخرة (ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً) (٧٥) : أي فينتصر لك بعد عقوبتنا إيّاك.
قوله : (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ) : أي قد كادوا يستفزّونك من الأرض ، يعني أرض مكّة (١) (لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ) : أي بعدك (إِلَّا قَلِيلاً (٧٦) سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً) (٧٧).
قال بعضهم : همّ أهل مكّة بإخراجه من مكّة ، ولو فعلوا ذلك ما نوظروا ؛ ولكنّ الله كفّهم من إخراجه حتّى أمره الله بالخروج. ولقلّ مع ذلك ما لبثوا بعد خروجه حتّى بعث الله عليهم القتل يوم بدر. وهي في هذا التفسير : [قوله في سورة الأنفال آية : ٣٠] (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ) (٢) ، وقد فسّرناه (٣).
__________________
(١) كذا في المخطوطات الأربع ، وفي ز ورقة ١٨٧ : «مكّة». وفي سع ورقة ١١ ظ : «أرض المدينة». وإذا لم تكن هذه الأخيرة سهوا من النسّاخ فهي تأويل ضعيف أورده الطبريّ على أنّ الذين أرادوا أن يخرجوه هم اليهود. والذي عليه جمهور المفسّرين أنّ الآية تعني أهل مكّة ، وأنّ الأرض هي مكّة ، وهو ما رجّحه الطبريّ أيضا في تفسيره ، ج ١٥ ص ١٣٣.
(٢) زيادة من سع ، ورقة ١١ ظ. وجاءت العبارة في المخطوطات مضطربة.
(٣) انظر ما سلف في هذا الجزء ، تفسير الآية ٣٠ من سورة الأنفال.