أن يبتغي بين ذلك سبيلا.
وقال مجاهد : حتّى لا يسمعك المشركون فيسبّوك.
وقال بعضهم : كان نبيّ الله ، وهو بمكّة ، إذا سمع المشركون صوته رموه بكلّ خبث ، فأمره الله أن يغضّ (١) من صوته وأن يقتصد في صلاته.
وكان يقال : ما أسمعت أذنيك فليس بتخافت (٢).
وذكر بعضهم قال : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) أي : في الدعاء والمسألة.
وذكروا عن ابن عبّاس أنّه قال : إنّ من الصلاة سرّا ، وإنّ منها جهرا ، فلا تجهر فيما تسرّ فيه ، ولا تسرّ فيما تجهر فيه ، وابتغ بين ذلك سبيلا.
ذكروا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم سمع أبا بكر وهو يصلّي من الليل وهو يخفي صوته ، وسمع عمر وهو يجهر بصوته ، وسمع بلالا وهو يقرأ من هذه السورة ومن هذه السورة ، فقال لأبي بكر : لم تخفي صوتك؟ قال : إنّ الذي أناجي ليس ببعيد. قال : صدقت. فقال لعمر : لم تجهر بصوتك؟ قال : أرضي الرحمن وأرغم الشيطان وأوقظ الوسنان. قال : صدقت. وقال لبلال : لم تقرأ من هذه السورة ومن هذه السورة؟ قال : أخلط طيّبا بطيّب. قال : صدقت.
فأمر أبا بكر أن يرفع من صوته ، وأمر عمر أن يخفض من صوته ، وأمر بلالا إذا أخذ في سورة أن يفرغ منها. فأنزل الله : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) (٣).
__________________
(١) في المخطوطات الأربع : «يخفض من صوته». وأثبتّ ما في سع ، فهو أفصح لورود الكلمة في سورة لقمان آية : ١٩ ، ولموافقته لما جاء في تفسير الطبريّ ، ج ١٥ ص ١٨٦. والقول لقتادة.
(٢) في ج ود : «ما أسمعت أذنيك فلست بمخافت» ، وفي سع : «ما أسمعت أذنيك فليس تخافت» (كذا) والصحيح ما أثبتّه. وفي الطبريّ ، ج ١٥ ص ١٨٦ : «ما سمعته أذنك فليس بمخافتة» ، والعبارة من تمام قول قتادة.
(٣) أورده يحيى بن سلّام بسند مختصر هكذا : «عثمان عن زيد بن أسلم أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم ...» في سع ورقة ـ