قوله : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً (٣٢) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها) : أي أطعمت ثمرتها (وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً) : أي ولم تنقص منه شيئا (وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً) (٣٣) : أي بينهما (وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ) : وهي تقرأ على وجهين : (ثمر) ، وهو الأصل ، قال بعضهم : من كلّ المال. و (ثمر) ، وهي الثمرة (١). وقال مجاهد : يعني ذهبا وفضّة.
(فَقالَ لِصاحِبِهِ) : بلغنا أنّهما كانا أخوين من بني إسرائيل ، ورثا عن أبيهما مالا فاقتسماه ، فأخذ كلّ واحد منهما أربعة آلاف دينار. فأمّا أحدهما ، فكان مؤمنا ، فأنفقه في طاعة الله ، وقدّمه لنفسه. وأمّا الآخر ، فكان كافرا ، فاتّخذ بها الأرضين والجنان والدور والرقيق وتزوّج.
واحتاج المؤمن فلم يبق في يده شيء ، فجاء إلى أخيه يزوره ويتعرّض لمعروفه. فقال له أخوه : فأين ما ورثت يا أخي؟ فقال له : أقرضته ربّي وقدّمته لنفسي. فقال له أخوه : لكنّني اتّخذت به لنفسي ولولدي ما قد رأيت.
قال الله : (فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ) : أي : يراجعه الكلام (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً) (٣٤) : أي أكثر رجالا وناصرا.
قال الله : (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) : يعني بشركه (قالَ ما أَظُنُ) : أي ما أوقن (أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً) (٣٥) : أي أن تفنى هذه أبدا ، أي : إنّها لا تفنى فتذهب. ولكن ظنّ أن يعيش فيها حتّى يأكلها حياته. كقوله : (يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ) (٣) [الهمزة : ٣] أي : يحسب أنّه يخلد في ماله حتّى يأكله.
(وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً) : أي وما أوقن أنّ الساعة قائمة. أي : يجحد البعث.
__________________
(١) قال الفرّاء في المعاني ج ٢ ص ١٤٤ : «... عن مجاهد قال : ما كان في القرآن من ثمر ، بالضم ، فهو مال ، وما كان من ثمر ، مفتوح ، فهو من الثمار». وانظر ابن خالويه ، الحجّة ، ص ١٢٢ وص ١٩٨. وانظر اللسان : (ثمر).