قوله : (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ) : أي : أمانا منه. قال الحسن ومجاهد : أمانا من الله. (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) : أي يطهّر ما في قلوبكم من الخوف (وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ) : أي ترهيب الشيطان الذي كان دخل قلوبكم (١) في تفسير الحسن. (وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ) (١١) : فأنزل الله ذلك الماء على المسلمين ، فأذهب الله ما في قلوبهم ممّا كان أوقع الشيطان في قلوبهم من تخويفه.
وقال بعضهم : ذكر لنا أنّهم مطروا يومين حتّى سال الوادي ماء واقتتلوا على كثيب أعفر ، فلبّده الله بالماء ، وشرب المسلمون ، وتوضأوا ، واستقوا ، وأذهب الله عنهم وساوس الشيطان.
قال الكلبيّ : بلغنا أنّ المشركين سبقوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتّى نزل حيالهم ، وبينه وبينهم الوادي ؛ ونزل على غير ماء ، فقذف الشيطان في قلوب المؤمنين أمرا عظيما فقال : زعمتم أنّكم عباد الله ، وعلى دين الله ، وقد غلبكم المشركون على الماء ، وأنتم تصلّون محدثين مجنبين ، فأحبّ الله أن يذهب من قلوبهم رجز الشيطان ، فأغشى المؤمنين نعاسا أمنة منه ، وأنزل عليهم من السماء ماء ليطهّرهم به من الأحداث والجنابة ، ويذهب عنهم رجز الشيطان [أي ما كان قذف في قلوبهم] (٢) وليربط على قلوبهم ويثبّت به الأقدام.
وكان بطن الوادي فيه رملة تغيب فيه الأقدام ، فلمّا مطر الوادي اشتدّت الرملة ، فمشى عليها الرجال ، واتّخذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم حياضا على الوادي (٣) ، فشرب المسلمون منها واستقوا ، ثمّ صفّوا. وأوحى ربّك إلى الملائكة : (أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ...) إلى قوله : (وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ) ، وهي أطراف الأيدي والأرجل (٤).
__________________
(١) كذا في ق وع. وفي ج ود : «الذي كان أدخل في قلوبهم».
(٢) زيادة من ز ، ورقة ١١٦.
(٣) كذا في ق وع ، وفي ز ، وهو الصواب. وفي د : «وانحدر رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتّى وطئ على الوادي ...». وهو تصحيف ولا شكّ.
(٤) قال أبو عبيدة في مجاز القرآن ، ج ١ ص ٢٤٢ : «(وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ) مجازه : يفرغ عليهم الصبر وينزله عليهم ـ