ما أحلّ لكم وما حرّم عليكم. (وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ) : أي ذنوبكم (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (٢٩).
قوله : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) (٣٠).
قال الكلبيّ : بلغنا أنّ عصابة من قريش اجتمعوا في دار الندوة يمكرون بنبيّ الله عليهالسلام ، فدخل معهم إبليس عليه لعنة الله ، عليه ثياب له أطمار ، في صورة شيخ كبير ، فجلس معهم ، فقالوا : ما أجلسك في جماعتنا بغير إذننا؟ فقال لهم : أنا رجل من أهل نجد ، قدمت مكّة فأحببت أن أسمع من حديثكم ، وأقتبس منكم خيرا ، ورأيت وجوهكم حسنة ، وريحكم طيّبة ؛ فإن أحببتم جلست معكم ، وان كرهتم مجلسي خرجت. فقال بعضهم لبعض : هذا رجل من أهل نجد ، ليس من أهل تهامة ، فلا بأس عليكم منه.
فتكلّموا بالمكر بنبيّ الله ؛ فقال أبو البختريّ بن هشام (١) ، أحد بني أسد بن عبد العزّى : أمّا أنا فأرى لكم من الرأي أن تاخذوا محمّدا فتجعلوه في بيت ثمّ تسدّوا عليه بابه ، وتجعلوا فيه كوّة ، فتدخلوا إليه طعامه وشرابه ، ثمّ تذروه فيه حتّى يموت. فقال القوم : نعم الرأي رأيت. فقال إبليس : بئس الرأي رأيتم ، تعمدون إلى رجل له فيكم صغو (٢) ، وقد سمع به من حولكم ، فتحبسونه وتطعمونه وتسقونه ، فيوشك ذلك الصغو الذي له فيكم أن يقاتلوكم عليه ، فتفسد فيه جماعتكم ، وتسفك فيه دماؤكم. فقالوا : صدق والله.
__________________
(١) كذا في المخطوطات الأربع وفي ز : «أبو البختري بن هشام» ، وكذلك جاء في المعارف لابن قتيبة. أمّا البلاذريّ في أنساب الأشراف ، ج ١ ص ١٤٦ ، وابن حزم في جمهرة أنساب العرب فيذكران أنّه العاص أو العاصي بن هاشم.
(٢) في ج ود وردت الكلمة هكذا : «صفو» ، وفي ع : «عضو»! والصحيح ما جاء في ق وز : «صغو» وقد ضبط ابن أبي زمنين في ورقة ١١٨ ، والجوهريّ في الصحاح الكلمة بفتح الصاد وكسرها ، وتفيد معنى الميل ، يريد أن يقول هنا : فيكم من يميل إليه. والصغو أو الصاغية هم خاصّة الرجل وأتباعه الذين يميلون إليه ، ويأتونه يطلبون ما عنده. ولم أجد هذه الكلمة فيما بين يديّ من مصادر السيرة والتاريخ التي روت حديث دار الندوة.