ثمّ تكلّم أبو الأسود ، وهو هاشم بن عمير بن ربيعة ، أحد بني عامر بن لؤي ، فقال : أمّا أنا فأرى أن تحملوا محمّدا على بعير ، فتخرجوه من أرضكم ، فيذهب حيث شاء ، ويليه غيركم. فقالوا : نعم والله الرأي رأيت. فقال إبليس : بئس الرأي والله رأيتم ؛ تعمدون إلى رجل أفسد جماعتكم ، واتّبعته منكم طائفة فتخرجونه إلى غيركم ، فيأتيهم فيفسدهم كما أفسدكم ؛ يوشك والله أن يقبل (١) بهم عليكم. قالوا : صدق والله. ثمّ تكلّم أبو جهل فقال : أمّا أنا فأرى من الرأي أن تأخذوا من كلّ بطن من قريش رجلا ، ثمّ تعطوا كلّ رجل سيفا ، فيأتونه ، فيضربونه جميعا ، فلا يدري قومه من يأخذون به ، وتؤدّي قريش ديته. فقال إبليس : صدق والله هذا الشابّ ، إنّ الأمر لكما قال ؛ فاتّفقوا على ذلك.
فنزل جبريل على النبيّ صلىاللهعليهوسلم فأخبره ، وأمره بالخروج ؛ فخرج من ليلته إلى المدينة. قال الله : (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ).
قال بعضهم في قوله : (لِيُثْبِتُوكَ) أي وثاقا ، أرادوا ذلك ونبيّ الله بمكّة (٢).
قوله : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (٣١).
قال الكلبيّ : لمّا قصّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم على قومه شأن القرون الأولى قال النضر بن الحارث (٣) ، أخو بني عبد الدار : لو شئت لقلت مثل هذا (إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ، أي : كذب الأوّلين وباطلهم.
__________________
(١) كذا في ع ود : «يقبل» ، وفي ز ، ورقة ١١٨ : «أن يميل بهم عليكم».
(٢) كذا في ع وق. وفي ج ود : «أرادوا بذلك نبيّ الله بمكّة».
(٣) هو النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار ، كان من الذين آذوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم بمكّة. وقد أسر يوم بدر ، وأمر رسول الله بقتله ، قتله عليّ بن أبي طالب بالصفراء. انظر سيرة ابن هشام ، ج ١ ص ٦٤٤. وقد رثته أخته قتيلة بنت الحارث ـ كما ذكره ابن إسحاق ، وصحّح السهيلي أنّها بنته ـ بأبيات رقيقة. قال ابن هشام : «فيقال ـ والله أعلم ـ إنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم لمّا بلغه هذا الشعر قال : «لو بلغني هذا قبل قتله لمننت عليه»». انظر : سيرة ابن هشام ، ج ٢ ص ٤٢.