قال الكلبيّ : يقول له عند ذلك عثمان بن مظعون : اتّق الله يا نضر ، فإنّ محمّدا يقول الحقّ. قال النضر : وأنا أقول الحقّ. قال عثمان : فإنّ محمّدا يقول : لا اله إلّا الله. فقال النضر : وأنا أقول : لا إله إلّا الله ، ولكنّ هذه بنات الله عندنا : اللات والعزّى ومناة. فأنزل الله : (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) (٨١) [الزخرف : ٨١] وتفسيرها في حم الزخرف. فقال النضر : ألا ترون أنّه قد صدّقني أنّ للرحمن ولدا؟ فقال الوليد بن المغيرة : لا والله ما صدّقك ، ولكن قال : (إِنْ كانَ) (١) ، منكرا لقولك. فصعق لها النضر فغضب ، فقال : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ).
قوله : (وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ) : أي إن كان ما يقوله محمّد حقّا (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٣٢).
قوله : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (٣٣) : قال مجاهد : وهم يسلمون.
وقال الكلبيّ : بلغنا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم لمّا دعا قومه إلى الهدى قال الحارث بن عامر بن نوفل (٢). يا محمّد ، (إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا) [القصص : ٥٧] وإنّما تتّقي العرب حرمنا أنّا على دينهم. يقول الله : قد متّعتهم بهذا الحرم ، وهم يأكلون رزقي ، ويعبدون غيري ، وقد مكّنت لهم حرما آمنا تجبى إليه ثمرات كلّ شيء ، فكانوا يخافون أن لو عبدوني أن أسلّط عليهم من يقتلهم ويسبيهم ، ما كنت لأفعل ذلك بهم لو فعلوا
__________________
(١) يريد أن يقول : إنّ (إن) هنا نافية. وهو قول رواه أبو عبيدة في مجاز القرآن ، ج ٢ ص ٢٠٦ حيث قال : «(إن) في موضع (ما) في قول بعضهم : ما كان للرحمن ولد. والفاء مجازها الواو : ما كان للرحمن ولد وأنا أول العابدين». وانظر في معنى الآية ووجوه إعرابها ابن الأنباري ، البيان في غريب إعراب القرآن ، ج ٢ ص ٣٥٥ ، والزمخشري ، الكشاف ، ج ٤ ص ٢٦٥ ـ ٢٦٦.
(٢) عدّه ابن هشام فيما يرويه عن ابن إسحاق من المطعمين الذين كانوا يطعمون الحاجّ في الموسم ، وكان من سادة بني نوفل بن عبد مناف ، وقد حضر بدرا في صفوف المشركين فقتل هناك. انظر : سيرة ابن هشام ، ج ١ ص ٦٦٥ ، و ٧١٠.