سورة البقرة
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١ ـ ٢] (الم (١) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (٢))
(الم* ذلِكَ الْكِتابُ) أشار بهذه الحروف الثلاثة إلى كلّ الوجود من حيث هو كلّ لأن (ا) إشارة إلى ذات الذي هو أوّل الوجود على ما مرّ. و (ل) إلى العقل الفعّال المسمّى جبريل ، وهو أوسط الوجود الذي يستفيض من المبدأ ويفيض إلى المنتهى. و (م) إلى محمد الذي هو آخر الوجود تتمّ به دائرته وتتصل بأوّلها ، ولهذا ختم وقال : «إنّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض». وعن بعض السلف أن (ل) ركبت من ألفين ، أي : وضعت بإزاء الذات مع صفة العلم اللذين هما عالمان من العوالم الثلاثة الإلهية التي أشرنا إليها ، فهو اسم من أسماء الله تعالى ، إذ كل اسم هو عبارة عن الذات مع صفة ما. وأمّا (م) فهي إشارة إلى الذات مع جميع الصفات والأفعال التي احتجبت بها في الصورة المحمدية التي هي اسم الله الأعظم ، بحيث لا يعرفها إلا من يعرفها. ألا تدري أن (م) التي هي صورة الذات كيف احتجب فيها ، فإن الميم فيها الياء ، وفي الياء ألف. والسرّ (١) في وضع حروف التهجي هو أن لا حرف إلا وفيه ألف ، ويقرب من هذا قول من قال : معناه القسم بالله العليم الحكيم ، إذ جبريل مظهر العلم ، فهو اسمه العليم. ومحمد مظهر الحكمة ، فهو اسمه الحكيم. ومن هذا ظهر معنى قول من قال : تحت كلّ اسم من أسمائه تعالى أسماء بغير نهاية. والعلم لا يتمّ ولا يكمل إلا إذا قرن بالفعل في عالم الحكمة الذي هو عالم الأسباب والمسببات ، فيصير حكمة. ومن ثم لا يحصل الإسلام بمجرّد قول : لا إله إلا الله ، إلا إذا قرن : بمحمد رسول الله.
فمعنى الآية (الم* ذلِكَ الْكِتابُ) الموعود ، أي : صورة الكلّ المومى إليها بكتاب الجفر والجامعة المشتملة على كل شيء ، الموعود بأنه يكون مع المهدي في آخر الزمان لا يقرأه كما هو بالحقيقة إلا هو ، والجفر لوح القضاء الذي هو عقل الكلّ والجامعة لوح القدر الذي هو نفس الكلّ ، فمعنى كتاب الجفر والجامعة : المحتويان على كلّ ما كان ويكون ، كقولك سورة (البقرة) وسورة (النمل).
(لا رَيْبَ فِيهِ) عند التحقيق بأنه الحق ، وعلى تقدير القول معناه بالحق الذي هو الكلّ
__________________
(١) قوله : والسرّ في وضع إلخ ... كذا في الأصل وهو محل نظر اه.