سورة بني إسرائيل
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١) سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى) أي : أنزهه عن اللواحق المادية والنقائص التشبيهية بلسان حال التجرّد والكمال في مقام العبودية الذي لا تصرف فيه أصلا (لَيْلاً) أي : في ظلمة الغواشي البدنية والتعلقات الطبيعية لأنّ العروج والترقي لا يكون إلا بواسطة البدن (مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أي : من مقام القلب المحرّم عن أن يطوف به مشرك القوى البدنية ويرتكب فيه فواحشها وخطاياها ويحجّه غوى القوى الحيوانية من البهيمية والسبعية المنكشفة سوأتا إفراطها وتفريطها لعروها عن لباس الفضيلة (إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) الذي هو مقام الروح الأبعد من العالم الجسماني بشهود تجليات الذات وسبحات الوجه ، وتذكر ما ذكرنا أن تصحيح كل مقام لا يكون إلا بعد الترقي إلى ما فوقه لتفهم من قوله.
(لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا) مشاهدة الصفات ، فإن مطالعة تجليات الصفات وإن كانت في مقام القلب لكن الذات الموصوفة بتلك الصفات لا تشاهد على الكمال بصفة الجلال والجمال إلا عند الترقي إلى مقام الروح ، أي : لنريه آيات صفاتنا من جهة أنها منسوبة إلينا ونحن المشاهدون بها ، البارزون بصورها (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) لمناجاته في مقام السر لطلب الفناء (الْبَصِيرُ) بقوة استعداده وتوجهه إلى محل الشهود وانجذابه إليه بقوة المحبة وكمال الشوق.
[٢ ، ٣] (وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً (٢) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً (٣))
(وَآتَيْنا مُوسَى) القلب كتاب العلم (وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) أي : القوى التي هي أسباط إسرائيل الروح (أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً) لا تستبدوا بأفعالكم ولا تستقلوا بطلب كمالاتكم وحظوظكم ولا تكتسبوا بمقتضى دواعيكم ولا تكلوا أمركم إلى شيطان الوهم فيسوّل لكم اللذات البدنية ولا إلى عقل المعاش فيستعملكم في ترتيبه وإصلاحه ، بل كلوا أمركم إليّ لأدبركم بأرزاق العلوم والمعارف وهيئات الأخلاق والفضائل ، وأكملكم بإمداد الأنوار من عالم القلب والروح بتأييد القدس وأنزل عليكم من عوالم الملكوت والجبروت ما يغنيكم عن مكاسب الناسوت أعني (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ) العقل في فلك الشريعة والحكمة العلمية