سورة يونس (عليهالسلام)
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١ ـ ٣] (الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (١) أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ (٢) إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٣))
(الر) إشارة إلى الرحمة التي هي الذات المحمدية لقوله تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (١٠٧)) (١) ، و (ا ل) مرّ ذكرهما (تِلْكَ) أي : ما أشير إليه بهذه الحروف أركان كتاب الكل ذي الحكمة أو المحكم المتقن تفاصيله أو أقسم بالله باعتبار الهوية الأحدية جمعا وباعتبار الصفة الواحدية تفصيلا في باطن الجبروت وظاهر الرحموت على ما ذكر أو على أن تلك الآيات المذكورة في السورة (آياتُ الْكِتابِ) ذي الحكمة (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً) إلى آخره ، أنكر عجبهم لكون سنّة الله جارية أبدا على هذا الأسلوب في الإيحاء على الرجال وإنما كان تعجبهم لبعدهم عن مقامه وعدم مناسبة حالهم لحاله ومنافاة ما جاء به لما اعتقدوه (أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي : سابقة بحسب العناية الأولى عظيمة أو مقاما من قربه ليس لأحد مثله خصصهم الله به في الأزل بمحض الاجتباء وإلا لما آمنوا به (قالَ الْكافِرُونَ) الذين حجبوا عن الله فلم يطلعوا على ظهور صفاته في النفس المحمدية (إِنَّ هذا) الذي جاء به (لَساحِرٌ مُبِينٌ) أي : شيء خارج عن قدرة البشر ليس إلا من عمل الشياطين. قالوا ذلك لغلبة الشيطنة عليهم واحتجابهم بها عن الله وعبادتهم الشيطان بحيث لم يصلوا إلى طور من الروحانيات وراءه في القدرة ، فلذلك نسبوا ما تجاوز عن حدّ البشرية إليه بالطبع.
(يُدَبِّرُ) أمر السموات والأرضين على وفق حكمته بيد قدرته (ما مِنْ شَفِيعٍ) يشفع لأحد بإفاضة كمال وإمداد نور يقربه إلى الله وينجيه من ظلمات النفس ويطهره من رجز صفاتها (إِلَّا مِنْ بَعْدِ) أن يأذن بموهبة الاستعداد ثم بتوفيق الأسباب (ذلِكُمُ) الموصوف بهذه الصفات (اللهُ رَبُّكُمْ) الذي يربيكم ويدبر أمركم ، فخصصوه بالعبادة واعرفوه بهذه الصفات ولا تعبدوا الشيطان ولا تحتجبوا عنه ببعض صفاته ، فتنسبوا قوله وفعله إلى الشيطان (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) ما في أنفسكم من آياته فتتفكروا فيها وتنزجروا عن الشرك به.
__________________
(١) سورة الأنبياء ، الآية : ١٠٧.