سورة المائدة
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلاَّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ (١))
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بالإيمان العلمي (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) أي : العزائم التي أحكمتموها في السلوك. والفرق بين العهد والعقد هاهنا : إنّ العهد هو إيداع التوحيد فيهم في الأزل كما مرّ ، والعقد هو إحكام عزائم التكليف عليهم ليتأدّى بهم إلى الإيفاء بما عاهدوا عليه. فالعهد سابق والعقد لاحق ، فكل عزيمة على أمر يوجب إخراج ما في الاستعداد بالقوة إلى الفعل عقد بينه وبين الله يجب الوفاء به والامتناع عن نقضه بفتور أو تقصير (أُحِلَّتْ لَكُمْ) جميع أنواع التمتعات والحظوظ بالنفوس السليمة التي لا تغلب عليها السبعية والشره ، كالنفوس التي هي على طباع الأنعام الثلاثة (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) من التمتعات المنافية للفضيلة والعدالة فإنها منهيّ عنها لحجبها عن الكمال الشخصي والنوعي (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) أي : لا متمتعين بالحظوظ في تجريدكم للسلوك وشروعكم في الرياضة عند السير إلى الله لطلب الوصول فإنه يجب حينئذ الاقتصار على الحقوق ، إذ الإحرام في الظاهر صورة الإحرام الحقيقي للسالكين في طريق كعبة الوصال ، والقاصدين لدخول الحرم الإلهيّ وسرادقات صفات الجلال والكمال (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ) على من يريده من أوليائه.
[٢] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢))
(لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) من المقامات والأحوال التي يعلم بها حال السالك في سلوكه كالصبر والشكر والتوكل والرضا وأمثالها ، أي : لا ترتكبوا ذنوب الأحوال ولا تخرجوا عن حكم المقامات فإنها شعائر دين الله الخالص. وكما أن المواضع المعلومة المعلمة بما يفعل فيها كالمطاف والمسعى والمنحر وغيرها والأفعال المعلومة في الحجّ شعائر يشعر بها الحاج. فهذه المقامات والمراتب والأحوال شعائر يشعر بها حال السالك وكما أنه لا يجوز في ظاهر الشرع تغييرها عن موضعها والخروج عن حكمها فكذلك هذه في شرع المحبين كما يحكى