عن أحدهم إنه كان يتكلم في الصبر فدبّ عقرب على ساقه وأخذت تضربه وهو على حاله لا ينحيها فسئل عنه فقال : أستحي من أن أتكلم في مقام وأنا أفعل ما ينافيه (وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ) أي : وقت الإحرام بالحج الحقيقي وهو وقت السلوك والوصول بالخروج عن حكمه والاشتغال بما ينافيه ويصده عن وجهته ويثبطه في سيره (وَلَا الْهَدْيَ) ولا النفس المستعدّة المعدة للقربان عند الوصول إلى فناء الحضرة الإلهية على ما أشير إليه باستعمالها في شغل يصرفها عن طريقها أو يضعفها أو حمل فوق طاقتها من الرياضة ، فينقطع دون البلوغ إلى المحل (وَلَا الْقَلائِدَ) ولا ما قلدته النفس من شعار أهل السلوك والسنن والأعمال الظاهرة بتركها وتغييرها عن وضعها (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) ولا القاصدين المجدّين في السلوك المجتهدين بتغيرهم ومنعهم عن الرياضة وإيهان عزائمهم بالمخالطة وتقليل السعي وإيهامهم أنه لا حاجة بهم إليه وشغلهم بما يصدّهم أو يكسلهم (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ) بتجلّيات الأفعال (وَرِضْواناً) بتجليات الصفات.
(وَإِذا حَلَلْتُمْ) بالرجوع إلى البقاء بعد الفناء والاستقامة (فَاصْطادُوا) أي : فلا حرج عليكم في الحظوظ بل ربما كان تمتيع النفس بالحظوظ إعانة لها في مشاهداتها ومكاشفاتها لشرفها وذكائها وشدّة صفائها (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ) إلى آخره ، أي : لا يكسبنكم بعض القوى النفسانية المانعة عن سلوككم أن تقهروها بالكلية بمنعها عن الحقوق التي تقوم بها فتبطلوها أو تضعفوها عن منافعها وما يحتاج إليه من أفعالها بسبب صدّها إياكم ، فإنّ وبال ذلك عائد إليكم. أو عداوة قوم من أهليكم وأقاربكم وأصدقائكم بسبب منعهم إياكم عن التجريد والرياضة في السلوك (أَنْ تَعْتَدُوا) عليهم بإضرارهم ومقتهم وإرادة الشرّ بهم فإنه أضرّ بكم في السلوك من منعهم إياكم (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) بتدبير تلك القوى وسياستها بالإحسان إليها بحقوقها ومنعها من حظوظها أو بمراعاة الأهلين والأقارب والأصدقاء بمواساتهم والإحسان إليهم ، والمعروف في حقّهم مع مخالفتهم إلى ما يمنعكم عنه والاجتناب عن ذلك ، كما قال تعالى : (فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً) (١) ، (وَاتَّقُوا اللهَ) واجعلوه وقاية لكم في هذه الأمور واحذروه في خلافها (إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) يعاقبكم بالصدّ والحرمان.
[٣] (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣))
__________________
(١) سورة لقمان ، الآية : ١٥.