(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) هذه هي الأمور المستثناة من أنواع التمتعات المحلّلة ، وهي الميتة أي : خمود الشهوة التي هي رذيلة التفريط المنافية للعفة كالخنوثة والعجز عن الإقدام على القدر الضروري من التمتعات والتمتع بفقدان اعتدال القوة الشهوانية على ما يفعله الخناثى وبعض المغزلين والمتقشفين والمتزهدين بالطبع ، القاصرين عن السلوك لنقصان الاستعدادات (وَالدَّمُ) أي : التمتع بهوى النفس في الأعمال فإن مزج الهوى وشوبه يفسد الأعمال كلها (وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) ووجوه التمتعات الحاصلة بالحرص والشره ، فإن قوّة الحرص أخبث القوى وأسدّها لطرق الكمال والنجاة (وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) أي : الرياضات والأعمال بالرياء وكل ما يفعل لغير الله. فإن كسر النفس وقمعها ومخالفتها لا يكون فعلا جميلا وفضيلة ومعينا في السلوك إلا إذا كان لله ، فأمّا إذا كان لغير الله فهو شرك والشرك أكبر الكبائر (وَالْمُنْخَنِقَةُ) أي : حبس النفس عن الرذائل ومنعها عن القبائح بحصول صور الفضائل وصدور الأفعال الحسنة صورة مع كمون الهوى فيها. فإنّ الأفعال النفسية إنما تحسن بقمعها وقهرها لله وخروج الهوى الذي هو قوّتها وحياتها عنها وقيامها بإرادة القلب كخروج الدم الذي هو قوّة الحيوان وحياته منه بذبحه لله (وَالْمَوْقُوذَةُ) أي : صدور الفضائل في الظاهر عن النفس مع كره منها وإجبار عليها (وَالْمُتَرَدِّيَةُ) التي تتعلق بالتفريط والنقصان والميل إلى الجهة السفلية وانحطاط النفس عن الهمم العلية والدرجة القوية (وَالنَّطِيحَةُ) التي تصدر عن خوف وقهر من مثله كالعفاف الحاصل بواسطة زجر المحتسب وخوف الفضيحة (وَما أَكَلَ السَّبُعُ) كفضائل العفة التي تحصل لشدة القوّة الغضبية من الأنفة والحمية واستيلاء الغضب ، فإنّ الغضب إذا استولى منع الشدّة عن فعلها أو لقهر من قهار كالملك والأمير (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) إلا ما قرنت واعتادت وانقادت لكم بعد قهر من غير ، فكانت تصدر عنها الفضائل بإرادة قلبية من غير مزج الهوى.
(وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) ما يفعل بناء على العادات التي يجب رفعها إلا لغرض عقلي أو شرعي (وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ) وأن تطلبوا السعادات والكمالات بالرسوم والطوالع اتكالا على ما قضى الله وقدّر وتتركوا السعي والجدّ في الطلب ، وتجعلوا ذلك علّة للتقصير بأن تقولوا : ليس لنا نصيب فيها ، ولو كان لنا نصيب لحصل. فإنه ربما كان مجرّد تعليل وقد علق في القدر كماله بسعيه ، فإنه لم يطلع على ذلك (ذلِكُمْ فِسْقٌ) خروج عن الدين الذي هو طريق الحقّ (الْيَوْمَ) أي : وقت حصول الكمال بتمرّن النفس بالفضائل ، وتثبتها في العزائم