التلوينات بظهور النفس وهو أشقّ على النفس من الضرب على الهام ، وإن كان لذيذا جدا. والصبر عن الله هو لأهل الجفاء والحجاب ، نورانيا كان أو ظلمانيا ، وهو مذموم جدا ، وصاحبه ملوم حقا وكلما كان أصبر كان أسوأ حالا وأبعد ، وكلما كان في ذلك أقوى كان ألوم وأجفى أو لأهل العيان والمشاهدة من العشاق والمشتاقين المتقلبين في أطوار التجلي والاستتار ، والمنخلعين عن الناسوت المتنوّرين بنور اللاهوت ما بقي لهم قلب ولا وصف كلما لاح لهم نور من سبحات أنوار الجمال احترقوا وتفانوا ، وكلما ضرب لهم حجاب ورد وجودهم تشويقا وتعظيما ذاقوا من ألم الشوق وحرقة الفرقة ما عيل به صبرهم وتحقق موتهم وهو من أحوال المحبين ولا شيء أشق من هذا الصبر وأشد تحملا وأقتل ، فإن أطاقه المحب كان خافيا وإن لم يطق كان فانيا فيه هالكا ، وفي هذا المقام قال الشبلي :
صابر الصبر فاستغاث به الصب |
|
ر فصاح المحب بالصبر صبرا |
أي : صابر الحبيب الصبر ، فاستغاث به الصبر عند إشرافه على النفاد فصاح المحب بالصبر صبرا على النفاد والهلاك ، فإن فيه النجاح والفلاح. والصبر بالله هو لأهل التمكين في مقام الاستقامة الذين أفناهم الله بالكلية وما ترك عليهم شيئا من بقية الإنية والإثنينية ثم وهب لهم وجودا من ذاته حتى قاموا به وفعلوا بصفاته وهو من أخلاق الله تعالى ليس لأحد فيه نصيب ولهذا أمره به. ثم بيّن أن ذلك الصبر الذي أمرت به ليس من سائر أقسام الصبر حتى يكون بنفسك أو بقلبك بل هو صبري لا تباشره إلا بي ولا تطيقه إلا بقوّتي ، ولعدم وفاء قوته بهذا الصبرقال : «شيّبتني سورة هود».
(وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) بالتلوين بظهور القلب بصفته لأن صاحب هذا الصبر يرى الأشياء بعين الحق فكل ما يصدر عنهم يراه فعل الله وكل صفة تظهر عليهم يراه تجليا من تجلياته وينكر المنكر بحكمه لأن الله بصّره بأنواع التجليات القهرية واللطفية والغضبية والرضوية وعرّفه أحكامه وأمره بإنفاذ الأحكام في مواقعها. (وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) لانشراح صدرك بي ، فكن معهم كما تراني معهم سائرا بسيري ، قائما بي وبأمري.
[١٢٨] (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (١٢٨))
(إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا) بقاياهم وآنياتهم بالاستهلاك في الوحدة والاستغراق في عين الجمع (وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) بشهود الوحدة في عين الكثرة ، والطاعة في عين المعصية ، والقيام بالأمر والنهي في مقام الاستقامة ، وإبقاء حقوق التفاصيل في عين الجمع ، فلا يحجبهم الفرق عن الجمع ولا الجمع عن الفرق ، ويسعهم مراعاة الحق والخلق للرجوع إلى الكثرة بوجود القلب الحقانيّ.