شدة وفقر ، كيف يضطرب ويتحسر على ما يفوت منه (وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ) دائم في الآخرة من استيلاء نيران الحرمان وهيئات الرذائل المظلمة والخسران.
[٤٠] (حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ (٤٠))
(حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا) بإهلاك أمّتك (وَفارَ) تنور البدن باستيلاء الأخلاط الفاسدة والرطوبات الفضلية على الحرارة الغريزية وقوة طبيعة ماء الهيولى على نار الروح الحيوانية أو أمرنا بإهلاكهم المعنوي وفار التنور باستيلاء ماء هوى الطبيعة على القلب وإغراقه في بحر الهيولى الجسماني (قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) أي : من كل صنفين من نوع اثنين هما صورتاهما النوعية والصنفية الباقيتان عند فناء الأشخاص. ومعنى حملهما فيها : علمه ببقائهما مع بقاء الأرواح الإنسية ، فإن علمه جزء من سفينته الحاوية للكل لتركبها من العلم والعمل ، فمعلوميتهما محموليتهما وعالميته بهما حامليته إياهما فيها (وَأَهْلَكَ) ومن يتصل بك في دينك وسيرتك من أقاربك (إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) أي : الحكم بإهلاكه في الأزل لكفره (وَمَنْ آمَنَ) بالله من أمّتك.
[٤١] (وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (٤١))
(وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها) أي : باسم الله الأعظم الذي هو وجود كل عارف كامل من أفراد نوع الإنسان إنفاذها وإجراء أحكامها وترويجها في بحر العالم الجسماني وإقامتها وأحكامها وإثباتها كما ترى من إجراء كل شريعة وإنفاذ أمرها وتثبيتها وأحكامها بوجود نبي أو إمام من أئمتها أو حبر من أحبارها (إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ) يغفر هيئات نفوسكم البدنية المظلمة وذنوب ملابس الطبيعة المهلكة إياكم ، المغرقة في بحرها بمتابعة الشريعة (رَحِيمٌ) يرحم بإفاضة المواهب العلمية والكشفية والهيئات النورانية التي ينجيكم بها لو لا مغفرته ورحمته لغرقتم وهلكتم مثل إخوانكم.
[٤٢ ـ ٤٣] (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ (٤٢) قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (٤٣))
(وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ) من فتن بحر الطبيعة الجسمانية واستيلاء دواعيها على الناس وغلبة أهوائها بإنفاقهم على مقتضياتها كالجبال الحاجبة للنظر ، المانعة للسير أو موج من انحرافات المزاج وغلبات الأخلاط المردية (وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ) المحجوب بعقله المغلوب بالوهم الذي هو عقل المعاش عن دين أبيه وتوحيده (وَكانَ فِي مَعْزِلٍ) عن دينه وشريعته